التقويم الواقعي وأهمية تطبيقه لدى أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات
( الملخص )
قدمت هذه الورقة وصفاً لأهم الممارسات التقويمية لدى أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، حيث أشار الأدب التربوي إلى تركيزها على الامتحانات التقليدية، وقد تم الإشارة إلى أهم سلبيات هذا النوع من التقويم، منها: أن التقويم باستخدام هذا الأسلوب التقليدي لا يتمتع بالصدق والثبات المناسبين، ويدلل على ذلك بضعف الارتباط بين تحصيل الطلبة على اختبارات هذا التقويم وبين كفاءتهم في العمل والوظيفة، وأنها تثير الرعب والقلق والخوف في نفوس وقلوب كثير من الطلبة، هذه السلبيات وغيرها دفعت للاهتمام بأساليب التقويم البديل للاختبارات الذي يركز على تقويم الأداء وتقويم ملفات أعمال الطلاب، والتقويم القائم على الملاحظة وغيرها.
ولذلك ارتأى بعض التربويين ضرورة التوجه إلى تقويم أحدث وأكثر مناسبة لأهداف التعلم والتعليم، يراعي التطورات والتوجهات المعاصرة وقد صاحب التحول في أغراض التعلم تحولاً في فلسفة الممارسات التقويمية وأساليبها، حيث برز التركيز على ربط التقويم بالحياة وذلك من خلال تبني التقويم الحقيقي (Assessment Authentic) وهو العملية التي يتم من خلالها جمع الشواهد حول تعلم الطالب ونموه في سياق حقيقي وتوثيق تلك الشواهد. وقد تم التطرق إلى أهمية استخدام هذا النوع من التقويم، والمواقف التي يتطلبها استخدام التقويم الحقيقي أو الواقعي، وما يعترضه من مشكلات أمام تطبيقه. وأخيرا تم إعطاء بعض التوصيات بخصوص تبني التقويم الواقعي في مؤسسات التعليم العالي.
إن الهدف الرئيس للتقويم التربوي هو ضمان جودة العملية التربوية ونواتجها، ذلك لأن الغرض من جهود المؤسسات التربوية (وعلى رأسها الجامعات) هو إكساب الطلاب والطالبات، وبقية قطاعات المجتمع، العلوم والمعارف والمهارات والسلوكيات والاتجاهات والقيم، التي سبق تحديدها بوضوح من خلال السياسات التعليمية، والخطط الدراسية، والمناهج والبرامج المختلفة. وقد سيطر الاختبار كأداة قياس لكثير من النواتج التعليمة أو الأهداف التدريسية، وبشكل خاص تلك التي تتعلق بالمجال المعرفي، ومن المعروف أن هناك تفاوت كبير في درجة التركيز على هذا المجال في المباحث والمقررات المختلفة، وهذا يعني أن الاختبار لا يناسب جميع الأهداف في هذا المجال، وأن الخطوة الأساسية في التقويم هي فرز النتاجات التعلمية أو الأهداف التدريسية وفق أداة القياس المناسبة لقياسها. والاتجاهات الحديثة في التدريس لا تركز على الجانب المعرفي فقط، بل تهتم بجميع جوانب النمو، من منطلق التكامل والتوازن في شخصية المتعلم، وهذا يدل على أهمية الأهداف الانفعالية والحركية أيضًا، وهناك الكثير من الأهداف في هذين المجالين لا تقاس بالاختبارات سواء أكانت موضوعية أم مقالية.
وإن شمولية التقويم وتعدد أهدافه يتطلبان ضرورة بنائه على وسائل وأدوات متنوعة، ولكن التقويم يكون في معظم المدارس وحتى الجامعات العربية من خلال وسيلة تقليدية واحدة وهي الامتحانات. وبدلا من أن يكون التقويم التربوي وسيلة لتحسين العملية التعلمية التعليمية أصبح في بعض الأحيان غاية تسلطية، تثير الرعب والقلق والخوف في نفوس وقلوب كثير من الطلبة، حتى قال أحد الباحثين:رعب الامتحانات لا يقل ترويعاً عن الرعب السياسي والغذائي والعسكري والنووي، هذا إذا علمنا أن أكثر من عشرة ملايين طالب عربي يتعرضون لهذا الرعب سنوياً، ويكون ضحية هذا الرعب طلبة يتشردون وطلبة ينحرفون وطلبة يهجرون الوطن، وطلبة ينتحرون وطلبة يتشوهون وطلبة يصابون بالجنون )النابلسي،1988،ص117).
وأشار شحاتة(2001) أن الحياة الجامعية تعاني العديد من السلبيات لعل أبرزها أن الدراسة الجامعية تعتبر إلى حد كبير امتداداً للتعليم قبل الجامعي، حيث أن نظام الكتاب الجامعي والدروس الخصوصية والمذكرات تشكل واقعاً ملموساً داخل الجامعة.
ويقلق الطالب من الامتحانات التي تفرض عليه لعدة أسباب:أنها تكاد تكون الوسيلة الوحيدة التي تبين مدى تحصيله وكفاءته، وبالتالي يتحدد على أساسها مصيره الذي أصبح بين يدي المدرس الذي يعد الامتحان وينفذه ويصحح الأوراق ويرصد العلامات بطريقة قد تكون ذاتية أحيانا. ثم إن الامتحانات لا يتوافر فيها في كثير من الأحيان، الحد الأدنى من شروط الامتحانات الجيدة، كما أن اعتبار الامتحان رديفاً للتقويم قد يجعل التلقين صنواً للتعليم مما يؤثر بشكل سلبي في العملية التربوية والتعليمية برمتها. ولإعطاء صورة أكثر صدقاً وواقعية عن وضع التقويم التربوي في المؤسسات التعليمية العربية بشكل عام، نأخذ مصر كمثال لسببين رئيسين هما: أولاً أن تجربتها التعليمية المدرسية والجامعية تعد من التجارب العربية الرائدة التي أثرت في كثير من النظم التربوية العربية، وثانياً لأن المشكلات التربوية والتعليمية العربية تتشابه إلى حد كبير. وقد أشار تقرير حول حاضر الجامعات المصرية ومستقبلها إلى أن التقويم فيها يقوم على امتحانات لا تقيس إلا ما استظهره الطلبة من معلومات الكتب أوالمذكرات، ويجري الامتحان في كثير من الكليات مرة واحدة في آخر العام، أما وسائل التقويم التي ينبغي أن تتم على مدار العام بوسائل متنوعة فلا تكاد توجد إلا في القليل النادر، ولقد أصبح الهدف النهائي من العملية التعليمية النجاح في الامتحان أيا كانت وسائله(الناقة،1986،ص28)(المشار له في السورطي،2009).
وذكر شحاتة(2001) إن ما هو ممكن الآن في ظل ظروف الأعداد الكبيرة من جامعاتنا أن نسعى للتقليل من رهبة الامتحانات، وأن نوجد مناخاً ملائماً لها وأن يكون التقييم موضوعياً وكفيلاً بالحكم الصادق على قدرات الطلبة، وإن التعليم الجامعي يجب أن يقيس شخصية المتعلم كلها ويعدلها وينميها وليس فقط التركيز على الجانب المعرفي فقط، وليس فقط التركيز على الحفظ، بل التركيز على ثقافة التفكير والإبداع، وحتى يصبح خريج الجامعة قادراً على التفاعل بنجاح مع متطلبات المستقبل. وأضاف شحاتة(2001) أن غياب البعد الثقافي والأعداد الكبيرة من الطلبة لا يسمح بعملية التغيير في شكل الامتحان، وتصبح ورقة الأسئلة بشكلها الحالي أفضل الأوضاع السيئة، وأنه حتى يتم التغيير في شكل الامتحان لا بد أن يسبقه تغيير في بنية مجتمعنا الجامعي، وإن شكل الامتحان لا بد أن يتم توزيعه على عناصر أخرى للتقويم مثل: مدى مساهمة الطالب داخل الحجرة الدراسية، وأبحاثه العلمية التي يقدمها، وأنه ينبغي ضرورة طرح الأسئلة بطريقة لا تقيس قدرات الحفظ عند الطلبة، بل تربط بين تخصصه الأكاديمي والقضايا العامة المحيطة به، ولا بد من إعادة النظر في المناهج الجامعية، وطرق التدريس والتدريب على إعداد أنواع جديدة من الأسئلة.
والجامعات العربية لا تحاكم نفسها أو تواجه نفسها بسلبياتها وايجابياتها، في حين أن الجامعات بالخارج تخضع لعملية تقويم مستمرة في كافة المجالات، بدءاً من نظام القبول وطرق التدريس والامتحانات واستخدامها لنظم تكنولوجيا التعليم، وفي الجامعات العربية قمة النضج العلمي، نكاد نفتقد إلى التقويم الموضوعي لها باعتبارها مؤسسات تربوية وتعليمية تقود قافلة التنمية والتطوير، وربما يكون غياب التقويم الموضوعي في المؤسسات التعليمية دافعاً لخداع الذات والالتفاف حول العيوب وجوانب القصور، وهذا لا يمكن قبوله مطلقاً في جامعاتنا.
ويرتبط مفهوم التقويم بمفاهيم أخرى ذات صلة، فالقياس مفهوم مرتبط بالتقويم، وقد يكون نقطة البداية في عملية التقويم، ولعملية القياس أدواتها ووحداتها، وفي العملية التعليمية التعلمية يكون الاختبار أحد أدوات القياس، ويكون بشكل مجموعة من الأسئلة المعطاة والمطلوب الإجابة عليها من قبل الطالب(المفحوص)، وإذا ما تم تدريج الاستجابات وكممت وقورنت بمعايير محددة واتخذ على أساسها قرار معين، كان التقويم(الطريري،1997). وتعتبر اختبارات الورقة والقلم التحصيلية هي أكثر أدوات التقويم استخداماً، ولازالت. وهناك جدل في الأوساط التربوية حول قدرة وسائل التقويم التقليدية في قياس إتقان الطالب للمادة التي تعلمها، فهناك التقليديون الذين يؤيدون استمرار استخدام وسائل التقويم الحالية التي تتضمن جوانب محددة مسبقاً يتم تعلمها خلال العام الدراسي، وفي المقابل هناك مؤيدو التقويم الواقعي لتحديد إتقان الطالب للمادة التعليمية، ويقترحون السجل التراكمي والتقويم القائم على المشروع، إضافة للتقويم المعتمد على الأداء(Dawson,2002).
ويرى الخطايبة(2005) أن التقويم الواقعي يعد متمماً للتقويم التقليدي، وقد لا يحتاج المدرس إلى أن يختار بين نوعي التقويم، ولكن من الأفضل أن يكون هناك دمج أو خلط بينهما لتلبية الحاجة، وأن هناك فروقاً بينهما، ففي التقويم التقليدي يتم تقديم اختبارات للطالب ليختار منها الإجابة الصحيحة، وقد تشمل أسئلة الاختيار من متعدد والصواب والخطأ والمطابقة، أما في التقويم الواقعي يطلب من المتعلم إظهار المهارة والقدرة على حل المشكلة وفي واقع الحياة العملية، ويطلب منه أكثر من مجرد الاستدعاء والتذكر مثل التحليل والتطبيق الفعلي لما تعلمه بشكل أساسي في واقع الحياة لإنتاج وبناء معانِ جديدة في المواقف الحياتية.
ومما يذكر من جوانب سلبية قد تشوب أجواء أداء الاختبارات التحصيلية بشكلها المعتاد، أنها تثير القلق لدى الطلبة إلى حد كثير، وأنها قد تتم بأجواء من التحدي والمنافسة، وأنها لا تتناول كل جوانب التعلم، فكل هذا ينعكس على جوانب المتعلم النفسية والوجدانية، فيؤثر هذا على فهمه لذاته وقدراته وعلى علاقاته الاجتماعية مع زملاءه ومدرسيه ومجتمعه(مراد وسليمان،2002). ويقول هارت(Hart,1999) أن التقويم باستخدام هذا الأسلوب التقليدي لا يتمتع بالصدق والثبات المناسبين، ويدلل على ذلك بضعف الارتباط بين تحصيل الطلبة على اختبارات هذا التقويم وبين كفاءتهم في العمل والوظيفة، ولذلك ارتأى بعض التربويين ضرورة التوجه إلى تقويم أحدث وأكثر مناسبة لأهداف التعلم والتعليم.
ولعل أبرز قضية تبرز في التقويم بالاختبارات التقليدية تركيزها على قياس المعرفة أكثر من تركيزها على الأداء المبرهن عملياً، أو التقويم في مواقف تصورية أو افتراضية، مما يجعلنا غير قادرين على التحقق من توظيف المعرفة والأداء في المواقف الحقيقة أو القياس المباشر لنواتج التعلم، وهذا يعني أن للتقويم بغير الاختبارات دور كبير في جميع مجالات النمو، وأن الاختبارات تشكل مصدراً غير كافٍ للتقويم الشامل في العملية التدريسية. هذا يعني باختصار أهمية جمع المعلومات المتعلقة بالبرامج المختلفة في العملية التعلمية بأدوات غير الاختبارات، سواء كانت معلومات كمية أو نوعية.
وكان التركيز سابقاً في الكثير من الممارسات التعليمية على الاختبارات كوسيلة وحيدة أو رئيسة في تقويم أداء الطالب ، وأدى هذا إلى العديد من السلبيات من أهمها Ryan1994)؛(Popham,2001,2003:
• التركيز على المهارات العقلية الدنيا ( مثل التذكر والفهم )، وإغفال بعض الكفايات المهمة التي يفترض أن يتعلمها الطالب .
• التدريس من أجل الاختبارات، وذلك لشعور المعلمين بضغوط كبيرة لرفع مستويات طلابهم في تلك الاختبارات، ولذلك فهم يتوجهون للتدريس من أجل اجتياز طلابهم لتلك الاختبارات بتدريبهم على فقرات الاختبارات أو فقرات مشابهة لها .
• تركيز الطلبة على الحصول على درجات عالية، وتعزيز الروح التنافسية لديهم والسلوكيات الخاطئة التي قد تنتج عن ذلك، كلجوء الطلبة إلى الغش.
• النظر لعمليتي التدريس والتقويم على أنها عمليتان منفصلتان، وبالتالي فإن الاختبارات في الغالب تلي عملية التدريس، ولا تؤثر، فيها ولا يعلم الطالب عن نتيجته إلا بعد انتهاء التدريس، ولا يكون بمقدوره تعلم المهارة التي لم يتقنها مرة أخرى.
• لا تعطي الاختبارات معلومات دقيقة وثابتة حول قدرات الطلاب في بعض المواد الدراسية مثل ( القراءة والكتابة والرياضيات ) .
• تضخم درجات الطلبة من سنة لأخرى وعدم وجود مبرر منطقي لذلك التضخم.
هذه السلبيات وغيرها دفعت للاهتمام بأساليب التقويم البديل للاختبارات الذي يركز على تقويم الأداء وتقويم ملفات أعمال الطلاب، والتقويم القائم على الملاحظة وغيرها.
وأكدت الرابطة الاميركية لتقدم العلوم American Association for the Advancement of Science(AAAS) أن أية محاولات للإصلاح التربوي يجب أن تتضمن إصلاح تقويم الطلبة باعتباره هدفاً رئيساً، وشهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً وتغيرات واسعة ومهمة في مفهوم التقويم، وذلك من خلال الربط بين عمليتي التعليم والتقويم بحيث أصبحتا مكملتين لبعضهما البعض. وبالتالي فمن الضروري أن يتناول التقويم ما تدرب عليه الطلبة من مهارات، وأن يكون شاملاً للمهارات العقلية العليا التي تهدف إلى تعميق فهم الطلبة وتعميق استدلالاتهم واستخدامهم للمعرفة والمهارات والاستقصاء.
وفي ضوء التطورات والتوجهات المعاصرة أصبحت الحاجة ماسة للبحث عن طرق تقويم جديدة وشاملة لحاجات الطلبة للنمو في جوانب الشخصية كافة، وذلك من خلال وضع برنامج شامل ومتوازن للتقويم، بحيث يشتمل على أساليب ووسائل متعددة، لأن الهدف من ذلك هو تحسين الأداء على المدى البعيد(الشبول،2004). وينظر إلى أساليب التقويم بأن تكون مشتملة ومتضمنة في العملية التعليمية التعلمية، واصطلح على أساليب التقويم هذه بمسميات، مثل التقويم البديل(Alternative Evaluation)، أو التقويم الحقيقي أو الواقعي أو الأصيل(Authentc Evaluation)(الخليلي،1998؛علام،2000؛عودة،2004).
ولذلك فإن التقويم يركز على جودة النتائج النهائية؛ وذلك من خلال الإجابة عن أسئلة من مثل: هل اكتسب الطلبة العلوم والمعارف والمهارات الأساسية ؟ وهل اكتسب الطلبة السلوكيات والاتجاهات الإيجابية التي تؤهلهم لأن يكونوا أعضاء صالحين يسهمون في مجتمعهم بشكل فاعل؟.
ويعتبر التقويم التربوي أحد أهم العناصر المطلوبة لضمان الجودة في التعليم. فضمان الجودة، وتحسين مستويات تعلم الطلبة، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية إصلاح شاملة للتقويم، تتناول فلسفته وأغراضه وأساليبه وتقنياته، ومدى تكامله مع عناصر العملية التعليمية الأخرى.
وظهر في الفترة الأخيرة اتجاه قوي يركز على أهداف تربوية تبنى على معايير (Standards) عالية المستوى، تتضمن الكفايات المهمة للحياة (وخاصة سوق العمل)، ومنها التفكير الإبداعي، واتخاذ القرار، وحل المشكلات، والتعلم الذاتي، والتعاون، فالتركيز على هذه الكفايات وعدم الاقتصار على أهداف المحتوى للمواد أدى إلى الاتجاه لتحديد نواتج تعلم نهائية أكثر شمولية(Marzano, Pickering and McTighe 1993).
إن هذا التغير في الأهداف التربوية جاء بحيث يشمل -إلى جانب الكفايات المعرفية التخصصية-مهارات الحياة والكفاية الشخصية، وقد وجه الاهتمام إلى أهمية التحول من أساليب التقويم التقليدية -التي تعتمد على الاختبارات التي تتطلب تذكر معلومات جزئية متناثرة، ولا تتطلب تطبيق الطلاب للمعلومات التي تعلموها أو إظهار مهارات التفكير العليا- إلى أساليب بديلة تركز على تقويم أداء الطالب في سياق حقيقي يناسب الأهداف ونواتج التعلم ذات العلاقة بالتعلم مدى الحياة.
وشهدت السنوات الأخيرة تركيزاً كبيراً من التربويين على أهمية إعادة النظر في أغراض التقويم التربوي، فبعد أن كان التركيز على تقويم التعلم (Assessment of Learning) وهو التقويم الذي يركز على قياس ما يعرفه المتعلم ويستطيع عمله من خلال استخدام التقويم النهائي باستخدام اختبارات في نهاية الفصول الدراسية، أصبح التركيز في معظم جهود إصلاح التقويم على مفهوم التقويم للتعلم ((Assessment for Learning وهو استخدام التقويم لتحسين التعلم .
وهذا التحول أدى إلى توجيه انتباه التربويين إلى أنه وإن كان تقويم التعلم الذي يهدف إلى المساءلة أو المحاسبية (سواء للأنظمة التعليمية أو للمدرس أو للطالب) جزءاً مهماً من أي نظام للتقويم، إلا أن الغرض الأساسي للتقويم يجب أن يكون استخدام التقويم لتحسين التعلم من خلال جعله عنصراً أساسياً في عملية التعليم والتعلم، واستخدامه كأداة لتوفير شواهد موثقة حول ما يعرفه الطالب، ويستطيع عمله في سياق حقيقي واقعي، واستخدام هذه الشواهد كتغذية راجعة تسهم في تحسين عملية التعليم والرفع من مستوى تعلم الطالب(الحكمي،2007).
إذن فالرؤية للتقويم هي أن يكون تقويماً حقيقياً(Authentic assessment) معززًا للتعلم، وذلك بأن يبنى على كفايات تعلم محددة، وأدوات تقويم تتسم بالصدق والثبات والتنوع في الأساليب، وذلك للوصول إلى أحكام صحيحة حول جميع جوانب تعلم الطالب، ونموه العقلي والاجتماعي في جميع المراحل الدراسية ، وتوظيف نتائج التقويم للوصول بالطالب إلى أقصى طاقاته الممكنة، وتحسين عملية التعلم ونواتجها، وإلى جعل التقويم ضمن عملية التدريس وليس منفصلاً عنها. ومن أهم خصائص التقويم الفعال الذي يسهم في تحسين التعلم:
• مهام التدريس والتقويم لها علاقة بحياة الطالب (تقويم حقيقي).
• قائم على كفايات تعلم واضحة وتوفر قدراً من التحدي لقدرات المتعلمين.
• يركز على ما يعمله الطالب في سياقات مختلفة خلال فترات معينة من الفصل الدراسي(الحكمي،2007).
ما المقصود بالتقويم الواقعي
يعرف ديفز وويفرنج(Davies&Wavering,1999) التقويم الواقعي بأنه تقويم غير تقليدي مثل أسئلة الاختيار من متعدد، وأنه طريقة يستعمل فيها ملف أعمال الطالب والتعلم التعاوني وتقويم الزميل وتسجيل الملاحظات، ويريان أن طرق التقويم الحقيقية تعكس قدرة الطالب على التعامل مع مواقف حقيقية وليست فقط مع المواقف الأكاديمية.
ويعرف جابر(2002،ص20) التقويم الواقعي بأنه قياس المعرفة الفعلية والمهارات التي نريد من طلبتنا استخدامها بكفاءة في سياق واقعي وهو العالم الخارجي. ويرى ماير(Meyar,1992) أن التقويم الواقعي يعني تقويم أداء المتعلم من خلال مواقف الحياة الواقعية، والتي ترتبط بمشروعات تكشف عن مهارات حل المشكلات وتحليل المعومات وبناءها في سياق جديد. ويعرف هنسن وإيلر(Henson&Eller,1994) التقويم الواقعي بأنه تقويم لأداء الطلبة من خلال مواقف الحياة الواقعية والتي تكون على شكل مشروعات تكشف عن مهارات حل المشكلات وتحليل المعلومات وبناءها في سياقات جدية.
ويعرفه ريان ( Ryan 1994) بأنه العملية التي يتم من خلالها جمع الشواهد حول تعلم الطالب ونموه في سياق حقيقي وتوثيق تلك الشواهد، كما تعرفه رابطة تطوير الإشراف والمناهج (Association for Supervision and Curriculum Development) بأنه التقويم الذي يقيس بواقعية المعارف والمهارات التي يحتاجها الطالب للنجاح في حياته في سن الرشد . ويطلق على هذا النوع من التقويم في بعض الأدبيات تقويم الأداء، وهو الذي يجعل الطالب يؤدي مهمة معينة مثل : جمع عينات من الصخور من محيطه، وتسجيل الملاحظات حولها، بدلاً من الاقتصار على الإجابة على اختبار الاختيار من متعدد حول أنواع الصخور وخصائصها. إلا أن السمة المميزة للتقويم الحقيقي هي : أن التقويم الحقيقي غير سطحي أو متصنع، ولكنه مأخوذ من حياة الإنسان ومحيطه ، فبدلاً من أن يطلب من الطالب الكتابة إلى شخص غير موجود أو متخيل، يطلب منه الكتابة لشخص حقيقي ولتحقيق هدف معينSCD, 2005) )(المشار له في الحكمي،2007).
وقد أشار ميلر(Mueller,2005) إلى أننا نحتاج القيام بالتقويم الواقعي لأننا لا نريد من طلبتنا فقط أن يعرفوا محتوى الفرع العلمي عندما ينهون دراستهم، بل نريد بالطبع أن يكونوا قادرين على استخدام ما اكتسبوه من معرفة ومهارات في العالم الحقيقي، وبهذا فإن التقويم يجب أن يخبرنا عن مدى قدرة الطلبة على تطبيق ما تعلموه في أوضاع حقيقية، فالأداء الجيد للطلبة على الاختبار لا يقدم لنا دليلاً عن مدى قدرتهم على تطبيق تلك المعرفة في مهمات العالم الحقيقي أو الواقعي.
وهناك كثير من التربويين حبذوا التقويم الواقعي لأنه يجعل من التعلم أقرب لما هو في العالم الواقعي، كما أنه يناسب مهارات واهتمامات الطالب، كما أن الطلبة يصبحون قادرين على رؤية فائدة ما تعلموه، كما أن التقويم الواقعي ينقلهم من غرفة الصف إلى العالم الحقيقي بعد التخرج. وهناك من يعترض على التقويم الواقعي وينتقده كونه يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير لكل من المدرس والطالب(Svinicki,2004).
ويتناول التقويم الواقعي تكليف الطلبة بممارسة مهمات ذات قيمة ومعنى بالنسبة لهم، فيبدو كنشاطات تعلم وليست كاختبارات سرية، مما يتيح المجال للطلبة لأن يمارسوا فيها مهارات التفكير العليا، ويوائموا بين مدى متسع من المعارف لبلوغ الأحكام أو اتخاذ القرارات أو حل المشكلات الحياتية التي يعيشونها، وبذلك تتطور لديهم القدرة على التفكير التأملي الذي يساعدهم على معالجتهم للمعلومات ونقدها وتحليلها، فهو يوثق الصلة بين المتعلم والتعليم، تقل فيه فعاليات الامتحانات التقليدية التي تهتم بالتفكير الانعكاسي لصالح توجيه التعليم بما يساعد الطلبة على التعلم مدى الحياة(الخليلي،1998).
مبادئ التقويم الواقعي
يمكن إيجاز الأسس والمبادىء للتقويم الواقعي مما أطلع عليه في الأدب التربوي(السويدي والخليلي،1997؛صيداوي،1996؛ الفريق الوطني للتقويم،2005؛ وزارة التربية والتعليم، 1995)، على النحو الآتي:
1. التقويم الواقعي إجراء يرافق عمليتي التعلم والتعليم ويربطهما معاً في جميع مراحلهما بقصد تحقيق بلوغ كل طالب لمستويات الأداء المطلوبة، وتوفير التغذية الراجعة الفورية للطالب حول إنجازاته بما يكفل تصويب مسيرته التعليمية، فهو تقويم يغوص في جوهر التعلم الضروري وفهم الطلبة وفي مدى امتلاكهم للمهارات المنشودة.
2. ممارسة الطلبة للعمليات العقلية ولمهارات التقصي والاكتشاف، وهي غايات يجب رعايتها لديهم والتأكد من اكتسابهم لها من خلال عملية التقويم، وقد يتم ذلك من خلال إشغالهم في نشاطات تستدعي حل المشكلات وبلورة الأحكام واتخاذ القرارات.
3. يقتضي التقويم الواقعي أن تكون المشكلات والمهام والأعمال المطروحة للدراسة والتقصي واقعية، وذات صلة بشؤون الحياة اليومية التي يعيشها الطالب.
4. إنجازات الطلبة وليست حفظهم للمعلومات والمعارف واسترجاعهم لها، هي مادة التقويم الواقعي، ولذا يقتضي أن يكون التقويم الواقعي متعدد الوجوه والميادين ومتنوعاً في أساليبه وأدواته، ولا تمثل الاختبارات التحصيلية بين هذه الأدوات سوى حيزاً ضيقاً، وعلى أن تكون هذه الاختبارات نشاطات تعلم غير سرية يمارسها الطلبة دون قلق أو رهبة كما يكون عليه الأمر في سياق الاختبارات التقليدية.
5. مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة في قدراتهم وأنماط تعلمهم وخلفياتهم، وذلك من خلال توفير العديد من نشاطات التقويم التي يتم من خلالها تحديد الإنجاز الذي حققه كل طالب، وتتسم هذه النشاطات بالقدرة على إيضاح نقاط الضعف والقوة في كل إنجاز ومستوى الإتقان الذي وصل إليه الطالب بالمقارنة مع محكات الأداء.
6. يتطلب التقويم الواقعي بعض أشكال التعاون ما بين الطلبة، ويمكن من خلال التعلم في مجموعات متعاونة، فالطالب المرتفع بمستوى تعلمه يساعد زملاءه الضعاف في المجموعة، وتتوفر فيه للجميع فرصة أفضل للتعلم، ويهيىء للمدرس فرصة تقويم أعمال الطلبة وبذل المساعدة والتوجيه للطلبة كل حسب حاجته.
7. ولأن التقويم الواقعي محكي المرجع، فيلزمه معايير حتى يقارن بها أداء الطلبة.
وينظر في مزايا التقويم الواقعي أنه يتطلب من الطلبة إنجاز عمل مبدع، وفيه يتم التأكيد على مهارات حل المشكلات ومستويات التفكير العليا، وأنه يشجع الطلبة على التعامل مع أنشطة التعليم ويوفر فرصة للتقويم الذاتي وإتاحة فرص التدريب والممارسة والحصول على التغذية الراجعة(أبو علام،2001؛Barton&Collins,1993).
أساليب التقويم الواقعي
أولاً:ملف أعمال الطالب portfolio Assessment
وهو ملف شخصي خاص بكل طالب يوضع فيه جميع انجازاته بشكل منظم على أساس المواد الدراسية أو على أساس الكفايات الأساسية، وتشمل هذه الإنجازات تقارير عن المشروعات والنشاطات المخططة والذاتية والأوراق البحثية والإبداعات التي توصل إليها، ونسخة مذكرات حول ممارسات الطالب العملية ومشاركاته وإسهاماته في اختيار محتوى الملف، والإرشادات التي اتبعت في الاختيار، والمعايير للحكم على العمل والدلائل التي تشير إلى التأملات الذاتية للطالب(الخليلي،1998؛Arter &spandal,1992).
وملف أعمال الطالب قد تشتمل على الواجبات والتعيينات المصححة من قبل المدرس، وأوراق الامتحانات والتقارير المخبرية وقصاصات من الصحف ذات العلاقة بالنشاطات المختلفة التي قام بها الطالب ضمن مواضيع الدروس للمادة الدراسية، وتقارير عن الأنشطة التي أجراها الطالب عن أعماله، ووصف لتلك الأعمال سواء كانت بحاجة إلى تحسين أم لا، وأنشطة متنوعة تعبر عن مهارات الطالب وتقيس فكره وميوله، وتحدد إنجازاته نظرياً وعملياً من خلال التجريب والاستقصاء والبحث، وأوراق منتقاة من أعمال الطالب يدون عليها ملاحظاته وملاحظات المعلم، تظهر إنجازاته ونمو تعلمه عبر الفترة الزمنية المحددة(جابر،2002؛ponte,2000؛Johonson &Rose,1997؛Arter &Spandal,1992).
ويمكن اعتبار ملف أعمال الطالب أداة تقويم مفيدة، من خلالها يتم الكشف عن نمو الطالب وتقدمه في المواد المختلفة، بالإضافة إلى أن الإعداد والتصميم الجيد للملف يعكس المحكات الحقيقة للعمل، ويعطي فرصة للطالب لإظهار نقاط قوته مما يزيد من ثقته بنفسه، وواقعيته للتعلم والتقويم. وبما أن التقويم يعتبر جزءاً أساسياً من عملية التدريس ومكملاً له، فإن استخدام ملف أعمال الطالب في عملية التقويم يعطي الطالب دوراً بارزاً في الاختيار والتجميع والحكم وإبداء الرأي، ويعمل على تحقيق مبدأ المساواة، بحيث يسمح للمدرس النظر إلى طلبته كأفراد لكل واحد منهم احتياجاته وخصائصه، كما أنه ينمي بعض العادات الاجتماعية الحسنة كالحوار الجاد والعمل التعاوني، وذلك من خلال المناقشات المتبادلة ما بين الطلبة والمدرس أو بين الطلبة مع بعضهم البعض(جابر،2002؛Guskey&Bailey,2001؛Davies,2000).
وإن تقويم وتدريج أعمال الطالب وإنجازاته وتقديرها في ملف أعمال الطالب قد يتم عن طريق تخصيص جزء من العلامة الكلية للمادة الدراسية، وتقسيم ذلك الجزء على محتويات الملف وفق معايير متفق عليها مع الطلبة لهذا التوزيع(الشبول،2004). وقد يتم عن طريق إعداد محكات للأداء(rubrics)، وهذه المحكات هي وصف للأداء المتوقع يكون في مستويات متدرجة حسب دليل التصحيح، حيث يتضمن هذه الدليل سلماً أو عدداً من المستويات( مثلاً من 1 إلى 4)، بحيث أن كل مستوى بحاجة إلى تفصيل أكثر من المستوى الذي يسبقه، بحيث تعطى درجة واحدة للمستوى الأدنى، ودرجتان للمستوى الجيد، وثلاث درجات لمستوى جيد جداً، وأربع درجات لمستوى ممتاز، وهذه المحكات يجب أن تكون معلومة لكل طالب حتى يستطيع أن يقوّم نفسه ذاتياً(الخليلي،1998).
ثانياً:التقويم المعتمد على الأداءPerformance-Based Assessment
يعرف التقويم المعتمد على الأداء بأنه مجموعة من الإجراءات المتبعة لإظهار المعرفة والمهارات والاتجاهات من خلال أداء المتعلم لمهارات محددة ينفذها عملياً، كأن يطلب إليه تقديم عرض مخطط لموضوع معين في زمن محدد، أو إنتاج مجسم أو خريطة أو نموذج أو إنتاج أو استخدام جهاز أو تصميم برنامج محو سب أو إجراء تجربة عملية في المختبر(جابر،2002؛وزارة التربية والتعليم،2005؛McMillan,2004).
وذكر كل من كنكر(kincker,1997) وماكميلان(McMillan,2004) أن هناك مجموعة من المحكات التي يجب أن تتوفر في مهام التقويم المعتمد على الأداء، مثل:أن تكون هذه المهام أساسية في المنهاج، وتهتم بالصورة الكبرى للموضوع، وتركز على مشكلات من واقع حياة المتعلم، وتستدعي استخدام المعارف والمهارات المكتسبة من المنهاج في معالجتها، وأن تكون محفزة ومنشطة تشرك الطلبة في وضع القرار، وتتيح لهم فرصة الحوار والمناقشة، وأن تتناسب مع قدرات الطلبة.
ولتصميم مهام التقويم المعتمد على الأداء، لا بد من تحديد الغرض من التقويم، وتحديد ما يراد تقويمه من مهارات معرفية ووجدانية وأدائية، ثم تحضير قائمة بالمهارات والعمليات المطلوب تقويمها مع تحديد الوقت اللازم للإنجاز، ووضع معايير ومستويات الأداء المطلوبة وظروف وشروط الأداء مثل الأجهزة والمعدات والمواد، حيث يتبلور دور المدرس هنا في عملية وضع الأهداف المراد تحقيقها مع الطلبة، وتحديد نوع العمل سواء أكان العمل فردياً أم جماعياً، وإشراك الطلبة في وضع معايير التقويم ومساعدتهم في الحصول على التجهيزات والمواد اللازمة، وتزويدهم بالتغذية الراجعة والاقتراحات المختلفة حول تطورهم في الأداء للمهام. ويتمثل دور الطالب هنا بالمشاركة في تطوير البرنامج التقويمي من خلال التغذية الراجعة والتواصل مع الزملاء والتعاون في مجالات البحث عن المعلومات والبيانات، والمشاركة في وضع معايير الأداء ومستوياته، وإظهار الجدية في التعامل مع اقتراحات المدرس(الفريق الوطني للتقويم،2005؛ McMillan,2004؛Burke,1999).
وتتم عملية تدريج وتقدير مهام التقويم المعتمد على الأداء عن طريق إعداد محكات للأداء rubrics والتي يعمل من خلالها على تقدير أداء الطالب تقديراً متدرجاً، حيث أن هذه المحكات تصف مستويات أداء يتوقع من الطلبة أن يحققوها أو يبلوغها في معيار مرغوب فيه(جابر،2002؛الخليلي،1998).
ثالثاً:الملاحظة Observation
تعنى هذه الاستراتيجية بمشاهدة الطلبة وتسجيل معلومات عنهم لاتخاذ قرار في مرحلة لاحقة في عمليتي التعلم والتعليم، وتوفر الملاحظة معلومات منظمة حول كيفية التعلم، والصعوبات التي واجهت المتعلمين، لذلك يجب للملاحظة معايير محددة بحيث تصبح ملاحظة موضوعية تقدم تغذية راجعة نوعية، وتبتعد كل البعد عن العشوائية، كما يجب على المدرس أن يحدد مسبقاً ما سيتم ملاحظته، وأن يسجل السلوك المستهدف وقت حدوثه مراعياً استخدام أداة الرصد المناسبة والوقت المستغرق في عملية الملاحظة(الثوابية ومهيدات،2005). وتأتي الملاحظة المباشرة في مقدمة أدوات التقويم الواقعي(الحقيقي) التي يرصد فيها المدرس درجة تقدم طلبته نحو أغراض التعلم المنشودة. والملاحظة ليست بالأسلوب الجديد في التقويم، إذ هي قديمة قدم الإنسان نفسه، إلا أن اقتراحها هنا يأتي بمثابة العودة إليها كأحد أفضل أساليب التقويم الحديث، وبإمكان المدرس توثيق ملاحظاته عن كل طالب أثناء تنفيذ نشاطات التعلم، ورصد ذلك في قوائم شطب checklists أو سلالم تقدير rating scales، أو على شكل ملصقات في ملفه. كما بالإمكان تعزيز أسلوب الملاحظة بإجراء المقابلات الشخصية مع الطالب، وهذه تكشف للمدرس بصورة أدق مستوى تقدم الطالب فيما يراد له أن يتعلم(أبو علي،2006).
رابعاً: المشروع Projects
يشير داوسون(Dawson,2002) إلى عدد من خصائص التقويم الواقعي المعتمد على المشروع، ومنها: أنه عادةً ما يتم التخطيط له بشكل محكم وعلى مدار زمني طويل، وهو يخاطب تحديات العالم الحقيقي أو الواقعي، ويتيح للطلبة تقديم أو تطوير حلول بديلة، ومن خلاله يشارك الطلبة بنشاط وتعاون، ويتاح للطلبة العمل ضمن مجموعات أو بصورة منفردة. ويمكن أن يستخدم التقويم الواقعي في أثناء المشروع كوسيلة لتقويم إبداعية الطلبة وقدرتهم على التخطيط وعلى إحداث التكامل في المعرفة، إضافة إلى قدرتهم على العمل مع الآخرين.
ويعطى الطالب في هذه الوسيلة من وسائل التقويم البديل(الواقعي) مشروعاً مصمماً لقياس مجموعة من المهارات، وبالرغم من أن المشروع يقيم في حقيقة الأمر من خلال نتائجه، إلا أنها لا تعتبر الفائدة الوحيدة له، حيث يتعلم الطلبة من خلاله العمل ضمن الفريق، إضافة إلى انخراطهم في عمليات تطوير المشروع ذاته. وهذا النوع من التقويم مصمم بطريقة تضع الطالب في مواقف حقيقية، ومن جوانب الجدل التي تحوم حول هذه الطريقة، قضية الموضوعية في حال لم يحدد المدرس معايير محددة وواضحة للنجاح(أبو علي،2006).
الاختبارات Tests
تعد الاختبارات جزءاً من التقويم الواقعي(الحقيقي)، وتأتي في آخر أساليب التقويم الواقعي، وقد أقترح أن تكون الاختبارات هي اختبارات من إعداد المدرس teacher-made tests، وفي هذه النوع من الاختبارات يعطى الطلبة مهمات معينة تكون على شكل أسئلة، ويطلب منهم إجابتها، فقد تكون هذه المهمات(الأسئلة) على شكل اختبار قصير لا يأخذ سوى دقائق معدودة حول معارف أو مهارات محددة، وقد تكون على شكل سؤال مفتوح أو سؤال مقالي، أو على شكل أسئلة اختيار من متعدد.
التغذية الراجعة الفاعلة Effective Feedback) )
إن توفير التغذية الراجعة المستمرة ذات الجودة العالية عنصر أساس لتحقيق التقويم لأغراضه التي يأتي في مقدمتها تحسين التعلم. والتغذية الراجعة هي: المعلومات حول مدى تحقيق الفرد لهدف أو غرض معين . ولذلك فهي مختلفة عن المديح أو الإطراء أو الذم، فهي تهتم بتعديل الأداء بناء على معلومات مفيدة تقدم للطالب. والتغذية الراجعة تقدم على شكلين : بعد أداء الطالب لمهمة معينة أو متزامنة مع أنشطة ومهام التقويم . فالتغذية الراجعة الفاعلة تجعل لدى الطالب القدرة لتعديل أدائه للوفاء بمتطلبات معايير الأداء، ولذلك فإن من المهم ألا يقتصر تقديم التغذية الراجعة بعد التقويم فقط وإنما اعتباره محوراً لعملية التقويم نفسها، فالمؤشر الرئيس لفاعلية التقويم هو التعديل الذاتي الذي يقوم به الطالب أثناء الأداء للوصول إلى هدف معين وهذا ما يجب أن توفره التغذية الراجعة
( الملخص )
قدمت هذه الورقة وصفاً لأهم الممارسات التقويمية لدى أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، حيث أشار الأدب التربوي إلى تركيزها على الامتحانات التقليدية، وقد تم الإشارة إلى أهم سلبيات هذا النوع من التقويم، منها: أن التقويم باستخدام هذا الأسلوب التقليدي لا يتمتع بالصدق والثبات المناسبين، ويدلل على ذلك بضعف الارتباط بين تحصيل الطلبة على اختبارات هذا التقويم وبين كفاءتهم في العمل والوظيفة، وأنها تثير الرعب والقلق والخوف في نفوس وقلوب كثير من الطلبة، هذه السلبيات وغيرها دفعت للاهتمام بأساليب التقويم البديل للاختبارات الذي يركز على تقويم الأداء وتقويم ملفات أعمال الطلاب، والتقويم القائم على الملاحظة وغيرها.
ولذلك ارتأى بعض التربويين ضرورة التوجه إلى تقويم أحدث وأكثر مناسبة لأهداف التعلم والتعليم، يراعي التطورات والتوجهات المعاصرة وقد صاحب التحول في أغراض التعلم تحولاً في فلسفة الممارسات التقويمية وأساليبها، حيث برز التركيز على ربط التقويم بالحياة وذلك من خلال تبني التقويم الحقيقي (Assessment Authentic) وهو العملية التي يتم من خلالها جمع الشواهد حول تعلم الطالب ونموه في سياق حقيقي وتوثيق تلك الشواهد. وقد تم التطرق إلى أهمية استخدام هذا النوع من التقويم، والمواقف التي يتطلبها استخدام التقويم الحقيقي أو الواقعي، وما يعترضه من مشكلات أمام تطبيقه. وأخيرا تم إعطاء بعض التوصيات بخصوص تبني التقويم الواقعي في مؤسسات التعليم العالي.
إن الهدف الرئيس للتقويم التربوي هو ضمان جودة العملية التربوية ونواتجها، ذلك لأن الغرض من جهود المؤسسات التربوية (وعلى رأسها الجامعات) هو إكساب الطلاب والطالبات، وبقية قطاعات المجتمع، العلوم والمعارف والمهارات والسلوكيات والاتجاهات والقيم، التي سبق تحديدها بوضوح من خلال السياسات التعليمية، والخطط الدراسية، والمناهج والبرامج المختلفة. وقد سيطر الاختبار كأداة قياس لكثير من النواتج التعليمة أو الأهداف التدريسية، وبشكل خاص تلك التي تتعلق بالمجال المعرفي، ومن المعروف أن هناك تفاوت كبير في درجة التركيز على هذا المجال في المباحث والمقررات المختلفة، وهذا يعني أن الاختبار لا يناسب جميع الأهداف في هذا المجال، وأن الخطوة الأساسية في التقويم هي فرز النتاجات التعلمية أو الأهداف التدريسية وفق أداة القياس المناسبة لقياسها. والاتجاهات الحديثة في التدريس لا تركز على الجانب المعرفي فقط، بل تهتم بجميع جوانب النمو، من منطلق التكامل والتوازن في شخصية المتعلم، وهذا يدل على أهمية الأهداف الانفعالية والحركية أيضًا، وهناك الكثير من الأهداف في هذين المجالين لا تقاس بالاختبارات سواء أكانت موضوعية أم مقالية.
وإن شمولية التقويم وتعدد أهدافه يتطلبان ضرورة بنائه على وسائل وأدوات متنوعة، ولكن التقويم يكون في معظم المدارس وحتى الجامعات العربية من خلال وسيلة تقليدية واحدة وهي الامتحانات. وبدلا من أن يكون التقويم التربوي وسيلة لتحسين العملية التعلمية التعليمية أصبح في بعض الأحيان غاية تسلطية، تثير الرعب والقلق والخوف في نفوس وقلوب كثير من الطلبة، حتى قال أحد الباحثين:رعب الامتحانات لا يقل ترويعاً عن الرعب السياسي والغذائي والعسكري والنووي، هذا إذا علمنا أن أكثر من عشرة ملايين طالب عربي يتعرضون لهذا الرعب سنوياً، ويكون ضحية هذا الرعب طلبة يتشردون وطلبة ينحرفون وطلبة يهجرون الوطن، وطلبة ينتحرون وطلبة يتشوهون وطلبة يصابون بالجنون )النابلسي،1988،ص117).
وأشار شحاتة(2001) أن الحياة الجامعية تعاني العديد من السلبيات لعل أبرزها أن الدراسة الجامعية تعتبر إلى حد كبير امتداداً للتعليم قبل الجامعي، حيث أن نظام الكتاب الجامعي والدروس الخصوصية والمذكرات تشكل واقعاً ملموساً داخل الجامعة.
ويقلق الطالب من الامتحانات التي تفرض عليه لعدة أسباب:أنها تكاد تكون الوسيلة الوحيدة التي تبين مدى تحصيله وكفاءته، وبالتالي يتحدد على أساسها مصيره الذي أصبح بين يدي المدرس الذي يعد الامتحان وينفذه ويصحح الأوراق ويرصد العلامات بطريقة قد تكون ذاتية أحيانا. ثم إن الامتحانات لا يتوافر فيها في كثير من الأحيان، الحد الأدنى من شروط الامتحانات الجيدة، كما أن اعتبار الامتحان رديفاً للتقويم قد يجعل التلقين صنواً للتعليم مما يؤثر بشكل سلبي في العملية التربوية والتعليمية برمتها. ولإعطاء صورة أكثر صدقاً وواقعية عن وضع التقويم التربوي في المؤسسات التعليمية العربية بشكل عام، نأخذ مصر كمثال لسببين رئيسين هما: أولاً أن تجربتها التعليمية المدرسية والجامعية تعد من التجارب العربية الرائدة التي أثرت في كثير من النظم التربوية العربية، وثانياً لأن المشكلات التربوية والتعليمية العربية تتشابه إلى حد كبير. وقد أشار تقرير حول حاضر الجامعات المصرية ومستقبلها إلى أن التقويم فيها يقوم على امتحانات لا تقيس إلا ما استظهره الطلبة من معلومات الكتب أوالمذكرات، ويجري الامتحان في كثير من الكليات مرة واحدة في آخر العام، أما وسائل التقويم التي ينبغي أن تتم على مدار العام بوسائل متنوعة فلا تكاد توجد إلا في القليل النادر، ولقد أصبح الهدف النهائي من العملية التعليمية النجاح في الامتحان أيا كانت وسائله(الناقة،1986،ص28)(المشار له في السورطي،2009).
وذكر شحاتة(2001) إن ما هو ممكن الآن في ظل ظروف الأعداد الكبيرة من جامعاتنا أن نسعى للتقليل من رهبة الامتحانات، وأن نوجد مناخاً ملائماً لها وأن يكون التقييم موضوعياً وكفيلاً بالحكم الصادق على قدرات الطلبة، وإن التعليم الجامعي يجب أن يقيس شخصية المتعلم كلها ويعدلها وينميها وليس فقط التركيز على الجانب المعرفي فقط، وليس فقط التركيز على الحفظ، بل التركيز على ثقافة التفكير والإبداع، وحتى يصبح خريج الجامعة قادراً على التفاعل بنجاح مع متطلبات المستقبل. وأضاف شحاتة(2001) أن غياب البعد الثقافي والأعداد الكبيرة من الطلبة لا يسمح بعملية التغيير في شكل الامتحان، وتصبح ورقة الأسئلة بشكلها الحالي أفضل الأوضاع السيئة، وأنه حتى يتم التغيير في شكل الامتحان لا بد أن يسبقه تغيير في بنية مجتمعنا الجامعي، وإن شكل الامتحان لا بد أن يتم توزيعه على عناصر أخرى للتقويم مثل: مدى مساهمة الطالب داخل الحجرة الدراسية، وأبحاثه العلمية التي يقدمها، وأنه ينبغي ضرورة طرح الأسئلة بطريقة لا تقيس قدرات الحفظ عند الطلبة، بل تربط بين تخصصه الأكاديمي والقضايا العامة المحيطة به، ولا بد من إعادة النظر في المناهج الجامعية، وطرق التدريس والتدريب على إعداد أنواع جديدة من الأسئلة.
والجامعات العربية لا تحاكم نفسها أو تواجه نفسها بسلبياتها وايجابياتها، في حين أن الجامعات بالخارج تخضع لعملية تقويم مستمرة في كافة المجالات، بدءاً من نظام القبول وطرق التدريس والامتحانات واستخدامها لنظم تكنولوجيا التعليم، وفي الجامعات العربية قمة النضج العلمي، نكاد نفتقد إلى التقويم الموضوعي لها باعتبارها مؤسسات تربوية وتعليمية تقود قافلة التنمية والتطوير، وربما يكون غياب التقويم الموضوعي في المؤسسات التعليمية دافعاً لخداع الذات والالتفاف حول العيوب وجوانب القصور، وهذا لا يمكن قبوله مطلقاً في جامعاتنا.
ويرتبط مفهوم التقويم بمفاهيم أخرى ذات صلة، فالقياس مفهوم مرتبط بالتقويم، وقد يكون نقطة البداية في عملية التقويم، ولعملية القياس أدواتها ووحداتها، وفي العملية التعليمية التعلمية يكون الاختبار أحد أدوات القياس، ويكون بشكل مجموعة من الأسئلة المعطاة والمطلوب الإجابة عليها من قبل الطالب(المفحوص)، وإذا ما تم تدريج الاستجابات وكممت وقورنت بمعايير محددة واتخذ على أساسها قرار معين، كان التقويم(الطريري،1997). وتعتبر اختبارات الورقة والقلم التحصيلية هي أكثر أدوات التقويم استخداماً، ولازالت. وهناك جدل في الأوساط التربوية حول قدرة وسائل التقويم التقليدية في قياس إتقان الطالب للمادة التي تعلمها، فهناك التقليديون الذين يؤيدون استمرار استخدام وسائل التقويم الحالية التي تتضمن جوانب محددة مسبقاً يتم تعلمها خلال العام الدراسي، وفي المقابل هناك مؤيدو التقويم الواقعي لتحديد إتقان الطالب للمادة التعليمية، ويقترحون السجل التراكمي والتقويم القائم على المشروع، إضافة للتقويم المعتمد على الأداء(Dawson,2002).
ويرى الخطايبة(2005) أن التقويم الواقعي يعد متمماً للتقويم التقليدي، وقد لا يحتاج المدرس إلى أن يختار بين نوعي التقويم، ولكن من الأفضل أن يكون هناك دمج أو خلط بينهما لتلبية الحاجة، وأن هناك فروقاً بينهما، ففي التقويم التقليدي يتم تقديم اختبارات للطالب ليختار منها الإجابة الصحيحة، وقد تشمل أسئلة الاختيار من متعدد والصواب والخطأ والمطابقة، أما في التقويم الواقعي يطلب من المتعلم إظهار المهارة والقدرة على حل المشكلة وفي واقع الحياة العملية، ويطلب منه أكثر من مجرد الاستدعاء والتذكر مثل التحليل والتطبيق الفعلي لما تعلمه بشكل أساسي في واقع الحياة لإنتاج وبناء معانِ جديدة في المواقف الحياتية.
ومما يذكر من جوانب سلبية قد تشوب أجواء أداء الاختبارات التحصيلية بشكلها المعتاد، أنها تثير القلق لدى الطلبة إلى حد كثير، وأنها قد تتم بأجواء من التحدي والمنافسة، وأنها لا تتناول كل جوانب التعلم، فكل هذا ينعكس على جوانب المتعلم النفسية والوجدانية، فيؤثر هذا على فهمه لذاته وقدراته وعلى علاقاته الاجتماعية مع زملاءه ومدرسيه ومجتمعه(مراد وسليمان،2002). ويقول هارت(Hart,1999) أن التقويم باستخدام هذا الأسلوب التقليدي لا يتمتع بالصدق والثبات المناسبين، ويدلل على ذلك بضعف الارتباط بين تحصيل الطلبة على اختبارات هذا التقويم وبين كفاءتهم في العمل والوظيفة، ولذلك ارتأى بعض التربويين ضرورة التوجه إلى تقويم أحدث وأكثر مناسبة لأهداف التعلم والتعليم.
ولعل أبرز قضية تبرز في التقويم بالاختبارات التقليدية تركيزها على قياس المعرفة أكثر من تركيزها على الأداء المبرهن عملياً، أو التقويم في مواقف تصورية أو افتراضية، مما يجعلنا غير قادرين على التحقق من توظيف المعرفة والأداء في المواقف الحقيقة أو القياس المباشر لنواتج التعلم، وهذا يعني أن للتقويم بغير الاختبارات دور كبير في جميع مجالات النمو، وأن الاختبارات تشكل مصدراً غير كافٍ للتقويم الشامل في العملية التدريسية. هذا يعني باختصار أهمية جمع المعلومات المتعلقة بالبرامج المختلفة في العملية التعلمية بأدوات غير الاختبارات، سواء كانت معلومات كمية أو نوعية.
وكان التركيز سابقاً في الكثير من الممارسات التعليمية على الاختبارات كوسيلة وحيدة أو رئيسة في تقويم أداء الطالب ، وأدى هذا إلى العديد من السلبيات من أهمها Ryan1994)؛(Popham,2001,2003:
• التركيز على المهارات العقلية الدنيا ( مثل التذكر والفهم )، وإغفال بعض الكفايات المهمة التي يفترض أن يتعلمها الطالب .
• التدريس من أجل الاختبارات، وذلك لشعور المعلمين بضغوط كبيرة لرفع مستويات طلابهم في تلك الاختبارات، ولذلك فهم يتوجهون للتدريس من أجل اجتياز طلابهم لتلك الاختبارات بتدريبهم على فقرات الاختبارات أو فقرات مشابهة لها .
• تركيز الطلبة على الحصول على درجات عالية، وتعزيز الروح التنافسية لديهم والسلوكيات الخاطئة التي قد تنتج عن ذلك، كلجوء الطلبة إلى الغش.
• النظر لعمليتي التدريس والتقويم على أنها عمليتان منفصلتان، وبالتالي فإن الاختبارات في الغالب تلي عملية التدريس، ولا تؤثر، فيها ولا يعلم الطالب عن نتيجته إلا بعد انتهاء التدريس، ولا يكون بمقدوره تعلم المهارة التي لم يتقنها مرة أخرى.
• لا تعطي الاختبارات معلومات دقيقة وثابتة حول قدرات الطلاب في بعض المواد الدراسية مثل ( القراءة والكتابة والرياضيات ) .
• تضخم درجات الطلبة من سنة لأخرى وعدم وجود مبرر منطقي لذلك التضخم.
هذه السلبيات وغيرها دفعت للاهتمام بأساليب التقويم البديل للاختبارات الذي يركز على تقويم الأداء وتقويم ملفات أعمال الطلاب، والتقويم القائم على الملاحظة وغيرها.
وأكدت الرابطة الاميركية لتقدم العلوم American Association for the Advancement of Science(AAAS) أن أية محاولات للإصلاح التربوي يجب أن تتضمن إصلاح تقويم الطلبة باعتباره هدفاً رئيساً، وشهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً وتغيرات واسعة ومهمة في مفهوم التقويم، وذلك من خلال الربط بين عمليتي التعليم والتقويم بحيث أصبحتا مكملتين لبعضهما البعض. وبالتالي فمن الضروري أن يتناول التقويم ما تدرب عليه الطلبة من مهارات، وأن يكون شاملاً للمهارات العقلية العليا التي تهدف إلى تعميق فهم الطلبة وتعميق استدلالاتهم واستخدامهم للمعرفة والمهارات والاستقصاء.
وفي ضوء التطورات والتوجهات المعاصرة أصبحت الحاجة ماسة للبحث عن طرق تقويم جديدة وشاملة لحاجات الطلبة للنمو في جوانب الشخصية كافة، وذلك من خلال وضع برنامج شامل ومتوازن للتقويم، بحيث يشتمل على أساليب ووسائل متعددة، لأن الهدف من ذلك هو تحسين الأداء على المدى البعيد(الشبول،2004). وينظر إلى أساليب التقويم بأن تكون مشتملة ومتضمنة في العملية التعليمية التعلمية، واصطلح على أساليب التقويم هذه بمسميات، مثل التقويم البديل(Alternative Evaluation)، أو التقويم الحقيقي أو الواقعي أو الأصيل(Authentc Evaluation)(الخليلي،1998؛علام،2000؛عودة،2004).
ولذلك فإن التقويم يركز على جودة النتائج النهائية؛ وذلك من خلال الإجابة عن أسئلة من مثل: هل اكتسب الطلبة العلوم والمعارف والمهارات الأساسية ؟ وهل اكتسب الطلبة السلوكيات والاتجاهات الإيجابية التي تؤهلهم لأن يكونوا أعضاء صالحين يسهمون في مجتمعهم بشكل فاعل؟.
ويعتبر التقويم التربوي أحد أهم العناصر المطلوبة لضمان الجودة في التعليم. فضمان الجودة، وتحسين مستويات تعلم الطلبة، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية إصلاح شاملة للتقويم، تتناول فلسفته وأغراضه وأساليبه وتقنياته، ومدى تكامله مع عناصر العملية التعليمية الأخرى.
وظهر في الفترة الأخيرة اتجاه قوي يركز على أهداف تربوية تبنى على معايير (Standards) عالية المستوى، تتضمن الكفايات المهمة للحياة (وخاصة سوق العمل)، ومنها التفكير الإبداعي، واتخاذ القرار، وحل المشكلات، والتعلم الذاتي، والتعاون، فالتركيز على هذه الكفايات وعدم الاقتصار على أهداف المحتوى للمواد أدى إلى الاتجاه لتحديد نواتج تعلم نهائية أكثر شمولية(Marzano, Pickering and McTighe 1993).
إن هذا التغير في الأهداف التربوية جاء بحيث يشمل -إلى جانب الكفايات المعرفية التخصصية-مهارات الحياة والكفاية الشخصية، وقد وجه الاهتمام إلى أهمية التحول من أساليب التقويم التقليدية -التي تعتمد على الاختبارات التي تتطلب تذكر معلومات جزئية متناثرة، ولا تتطلب تطبيق الطلاب للمعلومات التي تعلموها أو إظهار مهارات التفكير العليا- إلى أساليب بديلة تركز على تقويم أداء الطالب في سياق حقيقي يناسب الأهداف ونواتج التعلم ذات العلاقة بالتعلم مدى الحياة.
وشهدت السنوات الأخيرة تركيزاً كبيراً من التربويين على أهمية إعادة النظر في أغراض التقويم التربوي، فبعد أن كان التركيز على تقويم التعلم (Assessment of Learning) وهو التقويم الذي يركز على قياس ما يعرفه المتعلم ويستطيع عمله من خلال استخدام التقويم النهائي باستخدام اختبارات في نهاية الفصول الدراسية، أصبح التركيز في معظم جهود إصلاح التقويم على مفهوم التقويم للتعلم ((Assessment for Learning وهو استخدام التقويم لتحسين التعلم .
وهذا التحول أدى إلى توجيه انتباه التربويين إلى أنه وإن كان تقويم التعلم الذي يهدف إلى المساءلة أو المحاسبية (سواء للأنظمة التعليمية أو للمدرس أو للطالب) جزءاً مهماً من أي نظام للتقويم، إلا أن الغرض الأساسي للتقويم يجب أن يكون استخدام التقويم لتحسين التعلم من خلال جعله عنصراً أساسياً في عملية التعليم والتعلم، واستخدامه كأداة لتوفير شواهد موثقة حول ما يعرفه الطالب، ويستطيع عمله في سياق حقيقي واقعي، واستخدام هذه الشواهد كتغذية راجعة تسهم في تحسين عملية التعليم والرفع من مستوى تعلم الطالب(الحكمي،2007).
إذن فالرؤية للتقويم هي أن يكون تقويماً حقيقياً(Authentic assessment) معززًا للتعلم، وذلك بأن يبنى على كفايات تعلم محددة، وأدوات تقويم تتسم بالصدق والثبات والتنوع في الأساليب، وذلك للوصول إلى أحكام صحيحة حول جميع جوانب تعلم الطالب، ونموه العقلي والاجتماعي في جميع المراحل الدراسية ، وتوظيف نتائج التقويم للوصول بالطالب إلى أقصى طاقاته الممكنة، وتحسين عملية التعلم ونواتجها، وإلى جعل التقويم ضمن عملية التدريس وليس منفصلاً عنها. ومن أهم خصائص التقويم الفعال الذي يسهم في تحسين التعلم:
• مهام التدريس والتقويم لها علاقة بحياة الطالب (تقويم حقيقي).
• قائم على كفايات تعلم واضحة وتوفر قدراً من التحدي لقدرات المتعلمين.
• يركز على ما يعمله الطالب في سياقات مختلفة خلال فترات معينة من الفصل الدراسي(الحكمي،2007).
ما المقصود بالتقويم الواقعي
يعرف ديفز وويفرنج(Davies&Wavering,1999) التقويم الواقعي بأنه تقويم غير تقليدي مثل أسئلة الاختيار من متعدد، وأنه طريقة يستعمل فيها ملف أعمال الطالب والتعلم التعاوني وتقويم الزميل وتسجيل الملاحظات، ويريان أن طرق التقويم الحقيقية تعكس قدرة الطالب على التعامل مع مواقف حقيقية وليست فقط مع المواقف الأكاديمية.
ويعرف جابر(2002،ص20) التقويم الواقعي بأنه قياس المعرفة الفعلية والمهارات التي نريد من طلبتنا استخدامها بكفاءة في سياق واقعي وهو العالم الخارجي. ويرى ماير(Meyar,1992) أن التقويم الواقعي يعني تقويم أداء المتعلم من خلال مواقف الحياة الواقعية، والتي ترتبط بمشروعات تكشف عن مهارات حل المشكلات وتحليل المعومات وبناءها في سياق جديد. ويعرف هنسن وإيلر(Henson&Eller,1994) التقويم الواقعي بأنه تقويم لأداء الطلبة من خلال مواقف الحياة الواقعية والتي تكون على شكل مشروعات تكشف عن مهارات حل المشكلات وتحليل المعلومات وبناءها في سياقات جدية.
ويعرفه ريان ( Ryan 1994) بأنه العملية التي يتم من خلالها جمع الشواهد حول تعلم الطالب ونموه في سياق حقيقي وتوثيق تلك الشواهد، كما تعرفه رابطة تطوير الإشراف والمناهج (Association for Supervision and Curriculum Development) بأنه التقويم الذي يقيس بواقعية المعارف والمهارات التي يحتاجها الطالب للنجاح في حياته في سن الرشد . ويطلق على هذا النوع من التقويم في بعض الأدبيات تقويم الأداء، وهو الذي يجعل الطالب يؤدي مهمة معينة مثل : جمع عينات من الصخور من محيطه، وتسجيل الملاحظات حولها، بدلاً من الاقتصار على الإجابة على اختبار الاختيار من متعدد حول أنواع الصخور وخصائصها. إلا أن السمة المميزة للتقويم الحقيقي هي : أن التقويم الحقيقي غير سطحي أو متصنع، ولكنه مأخوذ من حياة الإنسان ومحيطه ، فبدلاً من أن يطلب من الطالب الكتابة إلى شخص غير موجود أو متخيل، يطلب منه الكتابة لشخص حقيقي ولتحقيق هدف معينSCD, 2005) )(المشار له في الحكمي،2007).
وقد أشار ميلر(Mueller,2005) إلى أننا نحتاج القيام بالتقويم الواقعي لأننا لا نريد من طلبتنا فقط أن يعرفوا محتوى الفرع العلمي عندما ينهون دراستهم، بل نريد بالطبع أن يكونوا قادرين على استخدام ما اكتسبوه من معرفة ومهارات في العالم الحقيقي، وبهذا فإن التقويم يجب أن يخبرنا عن مدى قدرة الطلبة على تطبيق ما تعلموه في أوضاع حقيقية، فالأداء الجيد للطلبة على الاختبار لا يقدم لنا دليلاً عن مدى قدرتهم على تطبيق تلك المعرفة في مهمات العالم الحقيقي أو الواقعي.
وهناك كثير من التربويين حبذوا التقويم الواقعي لأنه يجعل من التعلم أقرب لما هو في العالم الواقعي، كما أنه يناسب مهارات واهتمامات الطالب، كما أن الطلبة يصبحون قادرين على رؤية فائدة ما تعلموه، كما أن التقويم الواقعي ينقلهم من غرفة الصف إلى العالم الحقيقي بعد التخرج. وهناك من يعترض على التقويم الواقعي وينتقده كونه يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير لكل من المدرس والطالب(Svinicki,2004).
ويتناول التقويم الواقعي تكليف الطلبة بممارسة مهمات ذات قيمة ومعنى بالنسبة لهم، فيبدو كنشاطات تعلم وليست كاختبارات سرية، مما يتيح المجال للطلبة لأن يمارسوا فيها مهارات التفكير العليا، ويوائموا بين مدى متسع من المعارف لبلوغ الأحكام أو اتخاذ القرارات أو حل المشكلات الحياتية التي يعيشونها، وبذلك تتطور لديهم القدرة على التفكير التأملي الذي يساعدهم على معالجتهم للمعلومات ونقدها وتحليلها، فهو يوثق الصلة بين المتعلم والتعليم، تقل فيه فعاليات الامتحانات التقليدية التي تهتم بالتفكير الانعكاسي لصالح توجيه التعليم بما يساعد الطلبة على التعلم مدى الحياة(الخليلي،1998).
مبادئ التقويم الواقعي
يمكن إيجاز الأسس والمبادىء للتقويم الواقعي مما أطلع عليه في الأدب التربوي(السويدي والخليلي،1997؛صيداوي،1996؛ الفريق الوطني للتقويم،2005؛ وزارة التربية والتعليم، 1995)، على النحو الآتي:
1. التقويم الواقعي إجراء يرافق عمليتي التعلم والتعليم ويربطهما معاً في جميع مراحلهما بقصد تحقيق بلوغ كل طالب لمستويات الأداء المطلوبة، وتوفير التغذية الراجعة الفورية للطالب حول إنجازاته بما يكفل تصويب مسيرته التعليمية، فهو تقويم يغوص في جوهر التعلم الضروري وفهم الطلبة وفي مدى امتلاكهم للمهارات المنشودة.
2. ممارسة الطلبة للعمليات العقلية ولمهارات التقصي والاكتشاف، وهي غايات يجب رعايتها لديهم والتأكد من اكتسابهم لها من خلال عملية التقويم، وقد يتم ذلك من خلال إشغالهم في نشاطات تستدعي حل المشكلات وبلورة الأحكام واتخاذ القرارات.
3. يقتضي التقويم الواقعي أن تكون المشكلات والمهام والأعمال المطروحة للدراسة والتقصي واقعية، وذات صلة بشؤون الحياة اليومية التي يعيشها الطالب.
4. إنجازات الطلبة وليست حفظهم للمعلومات والمعارف واسترجاعهم لها، هي مادة التقويم الواقعي، ولذا يقتضي أن يكون التقويم الواقعي متعدد الوجوه والميادين ومتنوعاً في أساليبه وأدواته، ولا تمثل الاختبارات التحصيلية بين هذه الأدوات سوى حيزاً ضيقاً، وعلى أن تكون هذه الاختبارات نشاطات تعلم غير سرية يمارسها الطلبة دون قلق أو رهبة كما يكون عليه الأمر في سياق الاختبارات التقليدية.
5. مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة في قدراتهم وأنماط تعلمهم وخلفياتهم، وذلك من خلال توفير العديد من نشاطات التقويم التي يتم من خلالها تحديد الإنجاز الذي حققه كل طالب، وتتسم هذه النشاطات بالقدرة على إيضاح نقاط الضعف والقوة في كل إنجاز ومستوى الإتقان الذي وصل إليه الطالب بالمقارنة مع محكات الأداء.
6. يتطلب التقويم الواقعي بعض أشكال التعاون ما بين الطلبة، ويمكن من خلال التعلم في مجموعات متعاونة، فالطالب المرتفع بمستوى تعلمه يساعد زملاءه الضعاف في المجموعة، وتتوفر فيه للجميع فرصة أفضل للتعلم، ويهيىء للمدرس فرصة تقويم أعمال الطلبة وبذل المساعدة والتوجيه للطلبة كل حسب حاجته.
7. ولأن التقويم الواقعي محكي المرجع، فيلزمه معايير حتى يقارن بها أداء الطلبة.
وينظر في مزايا التقويم الواقعي أنه يتطلب من الطلبة إنجاز عمل مبدع، وفيه يتم التأكيد على مهارات حل المشكلات ومستويات التفكير العليا، وأنه يشجع الطلبة على التعامل مع أنشطة التعليم ويوفر فرصة للتقويم الذاتي وإتاحة فرص التدريب والممارسة والحصول على التغذية الراجعة(أبو علام،2001؛Barton&Collins,1993).
أساليب التقويم الواقعي
أولاً:ملف أعمال الطالب portfolio Assessment
وهو ملف شخصي خاص بكل طالب يوضع فيه جميع انجازاته بشكل منظم على أساس المواد الدراسية أو على أساس الكفايات الأساسية، وتشمل هذه الإنجازات تقارير عن المشروعات والنشاطات المخططة والذاتية والأوراق البحثية والإبداعات التي توصل إليها، ونسخة مذكرات حول ممارسات الطالب العملية ومشاركاته وإسهاماته في اختيار محتوى الملف، والإرشادات التي اتبعت في الاختيار، والمعايير للحكم على العمل والدلائل التي تشير إلى التأملات الذاتية للطالب(الخليلي،1998؛Arter &spandal,1992).
وملف أعمال الطالب قد تشتمل على الواجبات والتعيينات المصححة من قبل المدرس، وأوراق الامتحانات والتقارير المخبرية وقصاصات من الصحف ذات العلاقة بالنشاطات المختلفة التي قام بها الطالب ضمن مواضيع الدروس للمادة الدراسية، وتقارير عن الأنشطة التي أجراها الطالب عن أعماله، ووصف لتلك الأعمال سواء كانت بحاجة إلى تحسين أم لا، وأنشطة متنوعة تعبر عن مهارات الطالب وتقيس فكره وميوله، وتحدد إنجازاته نظرياً وعملياً من خلال التجريب والاستقصاء والبحث، وأوراق منتقاة من أعمال الطالب يدون عليها ملاحظاته وملاحظات المعلم، تظهر إنجازاته ونمو تعلمه عبر الفترة الزمنية المحددة(جابر،2002؛ponte,2000؛Johonson &Rose,1997؛Arter &Spandal,1992).
ويمكن اعتبار ملف أعمال الطالب أداة تقويم مفيدة، من خلالها يتم الكشف عن نمو الطالب وتقدمه في المواد المختلفة، بالإضافة إلى أن الإعداد والتصميم الجيد للملف يعكس المحكات الحقيقة للعمل، ويعطي فرصة للطالب لإظهار نقاط قوته مما يزيد من ثقته بنفسه، وواقعيته للتعلم والتقويم. وبما أن التقويم يعتبر جزءاً أساسياً من عملية التدريس ومكملاً له، فإن استخدام ملف أعمال الطالب في عملية التقويم يعطي الطالب دوراً بارزاً في الاختيار والتجميع والحكم وإبداء الرأي، ويعمل على تحقيق مبدأ المساواة، بحيث يسمح للمدرس النظر إلى طلبته كأفراد لكل واحد منهم احتياجاته وخصائصه، كما أنه ينمي بعض العادات الاجتماعية الحسنة كالحوار الجاد والعمل التعاوني، وذلك من خلال المناقشات المتبادلة ما بين الطلبة والمدرس أو بين الطلبة مع بعضهم البعض(جابر،2002؛Guskey&Bailey,2001؛Davies,2000).
وإن تقويم وتدريج أعمال الطالب وإنجازاته وتقديرها في ملف أعمال الطالب قد يتم عن طريق تخصيص جزء من العلامة الكلية للمادة الدراسية، وتقسيم ذلك الجزء على محتويات الملف وفق معايير متفق عليها مع الطلبة لهذا التوزيع(الشبول،2004). وقد يتم عن طريق إعداد محكات للأداء(rubrics)، وهذه المحكات هي وصف للأداء المتوقع يكون في مستويات متدرجة حسب دليل التصحيح، حيث يتضمن هذه الدليل سلماً أو عدداً من المستويات( مثلاً من 1 إلى 4)، بحيث أن كل مستوى بحاجة إلى تفصيل أكثر من المستوى الذي يسبقه، بحيث تعطى درجة واحدة للمستوى الأدنى، ودرجتان للمستوى الجيد، وثلاث درجات لمستوى جيد جداً، وأربع درجات لمستوى ممتاز، وهذه المحكات يجب أن تكون معلومة لكل طالب حتى يستطيع أن يقوّم نفسه ذاتياً(الخليلي،1998).
ثانياً:التقويم المعتمد على الأداءPerformance-Based Assessment
يعرف التقويم المعتمد على الأداء بأنه مجموعة من الإجراءات المتبعة لإظهار المعرفة والمهارات والاتجاهات من خلال أداء المتعلم لمهارات محددة ينفذها عملياً، كأن يطلب إليه تقديم عرض مخطط لموضوع معين في زمن محدد، أو إنتاج مجسم أو خريطة أو نموذج أو إنتاج أو استخدام جهاز أو تصميم برنامج محو سب أو إجراء تجربة عملية في المختبر(جابر،2002؛وزارة التربية والتعليم،2005؛McMillan,2004).
وذكر كل من كنكر(kincker,1997) وماكميلان(McMillan,2004) أن هناك مجموعة من المحكات التي يجب أن تتوفر في مهام التقويم المعتمد على الأداء، مثل:أن تكون هذه المهام أساسية في المنهاج، وتهتم بالصورة الكبرى للموضوع، وتركز على مشكلات من واقع حياة المتعلم، وتستدعي استخدام المعارف والمهارات المكتسبة من المنهاج في معالجتها، وأن تكون محفزة ومنشطة تشرك الطلبة في وضع القرار، وتتيح لهم فرصة الحوار والمناقشة، وأن تتناسب مع قدرات الطلبة.
ولتصميم مهام التقويم المعتمد على الأداء، لا بد من تحديد الغرض من التقويم، وتحديد ما يراد تقويمه من مهارات معرفية ووجدانية وأدائية، ثم تحضير قائمة بالمهارات والعمليات المطلوب تقويمها مع تحديد الوقت اللازم للإنجاز، ووضع معايير ومستويات الأداء المطلوبة وظروف وشروط الأداء مثل الأجهزة والمعدات والمواد، حيث يتبلور دور المدرس هنا في عملية وضع الأهداف المراد تحقيقها مع الطلبة، وتحديد نوع العمل سواء أكان العمل فردياً أم جماعياً، وإشراك الطلبة في وضع معايير التقويم ومساعدتهم في الحصول على التجهيزات والمواد اللازمة، وتزويدهم بالتغذية الراجعة والاقتراحات المختلفة حول تطورهم في الأداء للمهام. ويتمثل دور الطالب هنا بالمشاركة في تطوير البرنامج التقويمي من خلال التغذية الراجعة والتواصل مع الزملاء والتعاون في مجالات البحث عن المعلومات والبيانات، والمشاركة في وضع معايير الأداء ومستوياته، وإظهار الجدية في التعامل مع اقتراحات المدرس(الفريق الوطني للتقويم،2005؛ McMillan,2004؛Burke,1999).
وتتم عملية تدريج وتقدير مهام التقويم المعتمد على الأداء عن طريق إعداد محكات للأداء rubrics والتي يعمل من خلالها على تقدير أداء الطالب تقديراً متدرجاً، حيث أن هذه المحكات تصف مستويات أداء يتوقع من الطلبة أن يحققوها أو يبلوغها في معيار مرغوب فيه(جابر،2002؛الخليلي،1998).
ثالثاً:الملاحظة Observation
تعنى هذه الاستراتيجية بمشاهدة الطلبة وتسجيل معلومات عنهم لاتخاذ قرار في مرحلة لاحقة في عمليتي التعلم والتعليم، وتوفر الملاحظة معلومات منظمة حول كيفية التعلم، والصعوبات التي واجهت المتعلمين، لذلك يجب للملاحظة معايير محددة بحيث تصبح ملاحظة موضوعية تقدم تغذية راجعة نوعية، وتبتعد كل البعد عن العشوائية، كما يجب على المدرس أن يحدد مسبقاً ما سيتم ملاحظته، وأن يسجل السلوك المستهدف وقت حدوثه مراعياً استخدام أداة الرصد المناسبة والوقت المستغرق في عملية الملاحظة(الثوابية ومهيدات،2005). وتأتي الملاحظة المباشرة في مقدمة أدوات التقويم الواقعي(الحقيقي) التي يرصد فيها المدرس درجة تقدم طلبته نحو أغراض التعلم المنشودة. والملاحظة ليست بالأسلوب الجديد في التقويم، إذ هي قديمة قدم الإنسان نفسه، إلا أن اقتراحها هنا يأتي بمثابة العودة إليها كأحد أفضل أساليب التقويم الحديث، وبإمكان المدرس توثيق ملاحظاته عن كل طالب أثناء تنفيذ نشاطات التعلم، ورصد ذلك في قوائم شطب checklists أو سلالم تقدير rating scales، أو على شكل ملصقات في ملفه. كما بالإمكان تعزيز أسلوب الملاحظة بإجراء المقابلات الشخصية مع الطالب، وهذه تكشف للمدرس بصورة أدق مستوى تقدم الطالب فيما يراد له أن يتعلم(أبو علي،2006).
رابعاً: المشروع Projects
يشير داوسون(Dawson,2002) إلى عدد من خصائص التقويم الواقعي المعتمد على المشروع، ومنها: أنه عادةً ما يتم التخطيط له بشكل محكم وعلى مدار زمني طويل، وهو يخاطب تحديات العالم الحقيقي أو الواقعي، ويتيح للطلبة تقديم أو تطوير حلول بديلة، ومن خلاله يشارك الطلبة بنشاط وتعاون، ويتاح للطلبة العمل ضمن مجموعات أو بصورة منفردة. ويمكن أن يستخدم التقويم الواقعي في أثناء المشروع كوسيلة لتقويم إبداعية الطلبة وقدرتهم على التخطيط وعلى إحداث التكامل في المعرفة، إضافة إلى قدرتهم على العمل مع الآخرين.
ويعطى الطالب في هذه الوسيلة من وسائل التقويم البديل(الواقعي) مشروعاً مصمماً لقياس مجموعة من المهارات، وبالرغم من أن المشروع يقيم في حقيقة الأمر من خلال نتائجه، إلا أنها لا تعتبر الفائدة الوحيدة له، حيث يتعلم الطلبة من خلاله العمل ضمن الفريق، إضافة إلى انخراطهم في عمليات تطوير المشروع ذاته. وهذا النوع من التقويم مصمم بطريقة تضع الطالب في مواقف حقيقية، ومن جوانب الجدل التي تحوم حول هذه الطريقة، قضية الموضوعية في حال لم يحدد المدرس معايير محددة وواضحة للنجاح(أبو علي،2006).
الاختبارات Tests
تعد الاختبارات جزءاً من التقويم الواقعي(الحقيقي)، وتأتي في آخر أساليب التقويم الواقعي، وقد أقترح أن تكون الاختبارات هي اختبارات من إعداد المدرس teacher-made tests، وفي هذه النوع من الاختبارات يعطى الطلبة مهمات معينة تكون على شكل أسئلة، ويطلب منهم إجابتها، فقد تكون هذه المهمات(الأسئلة) على شكل اختبار قصير لا يأخذ سوى دقائق معدودة حول معارف أو مهارات محددة، وقد تكون على شكل سؤال مفتوح أو سؤال مقالي، أو على شكل أسئلة اختيار من متعدد.
التغذية الراجعة الفاعلة Effective Feedback) )
إن توفير التغذية الراجعة المستمرة ذات الجودة العالية عنصر أساس لتحقيق التقويم لأغراضه التي يأتي في مقدمتها تحسين التعلم. والتغذية الراجعة هي: المعلومات حول مدى تحقيق الفرد لهدف أو غرض معين . ولذلك فهي مختلفة عن المديح أو الإطراء أو الذم، فهي تهتم بتعديل الأداء بناء على معلومات مفيدة تقدم للطالب. والتغذية الراجعة تقدم على شكلين : بعد أداء الطالب لمهمة معينة أو متزامنة مع أنشطة ومهام التقويم . فالتغذية الراجعة الفاعلة تجعل لدى الطالب القدرة لتعديل أدائه للوفاء بمتطلبات معايير الأداء، ولذلك فإن من المهم ألا يقتصر تقديم التغذية الراجعة بعد التقويم فقط وإنما اعتباره محوراً لعملية التقويم نفسها، فالمؤشر الرئيس لفاعلية التقويم هو التعديل الذاتي الذي يقوم به الطالب أثناء الأداء للوصول إلى هدف معين وهذا ما يجب أن توفره التغذية الراجعة
الخميس مايو 09, 2013 10:32 pm من طرف قداري محمد
» استخدام طريقة العروض العملية في تدريس العلوم
الخميس أبريل 18, 2013 10:26 am من طرف قداري محمد
» Ten ways to improve Education
الخميس فبراير 21, 2013 8:44 am من طرف بشير.الحكيمي
» مقتطفات من تصميم وحدة الإحصاء في الرياضيات
الثلاثاء يناير 29, 2013 8:30 am من طرف بشير.الحكيمي
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء يناير 02, 2013 7:49 am من طرف انور..الوحش
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء ديسمبر 19, 2012 10:00 am من طرف محمدعبده العواضي
» الواجبات خلال الترم 5
السبت أكتوبر 06, 2012 11:12 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم4
السبت أكتوبر 06, 2012 11:11 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم3
السبت أكتوبر 06, 2012 11:10 pm من طرف بشرى الأغبري