www.satlcentral.com/arabic-abstract/lectures/dr-mona.doc
المدخل المنظومى وبعـض نماذج التدريــس
القائمة على الفكر البنـــائى
أ.د. منى عبدالصبور محمد
أستاذ المناهج وخبير بمركز تطوير تدريس العلوم
جامعة عين شمس
من افضل الطرق لتعليم الطلاب إشراكهم فكريا ويدويا فى الأنشطة العلمية، حيث يلاحظون ويصنفون ويقيسون ويتوقعون ويستنتجون ويفسرون ويجربون بما يماثل ما يقوم به العلماء. وحتى يتمكن المعلم من تعليم الطلاب بما يمكنهم من ممارسة ذلك، لابد له من معرفة كيف يتعلم الطلاب فى المراحل العمرية المختلفة، وكيف يفكرون. وهذا يعنى أن المعلم لابد ان يبنى نظريته فى التدريس. فالنظرية ستساعده على تنظيم تصور للعملية التعليمية وبلورة رؤى واضحة حولها، فضلاً عن أهميتها فى مساعدته على تحليل العملية التعليمية وتوقع نتائجها.
ويمكن تصنيف النظريات التى اهتمت بالتدريس إلى:
النظريات السلوكية:
وتضم تلك النظريات التى اهتمت بدراسة السلوك الظاهرى للمتعلم. ويرى أنصار هذه النظريات ان العملية التعليمية تحدث نتيجة مؤثرات خارجية تؤدى إلى استجابات من قبل المتعلم، فالتعلم بالنسبة لهذه النظريات هو تعديل فى سلوك الفرد اى أن هذه النظريات تهتم بالسلوك الظاهرى للمتعلم ولاتهتم بما يحدث داخل عقل المتعلم.
ويرى أنصار هذه النظريات ان على المعلم ان يجيب عن السؤال التالى:
كيف يمكننى ان ابرز "او أوضح" الدافعية للتعلم لدى المتعلمين؟
ومن ثم نجد ر وادها يضعون الافتراض التالى حول المناهج وطرق التدريس:
"ان المناهج وطرق التدريس تعمل على إبراز الدافعية لدى المتعلمين"
لذا نجد ان الحكم على طبيعة العملية التعليمية يتم على أساس هذا الافتراض. فمثلاً اذا لم يعر المتعلمين الأنشطة المعملية اهتماماً، فإن اللوم غالباً ما يلقى على المادة التعليمية او المعلمين او مصممى المواد التعليمية، ونجدهم نادراً ما يصنعون قدرات المتعلمين فى الحسبان فى مثل هذه الحالة.
ولذا يرى أنصار هذه النظريات ان التعلم يتم بدفع من مؤثرات خارجية ولكى يحدث التعلم يجب ان تهيأ الظروف الخارجية المناسبة لذلك، كما يجب ان تبنى النتائج على ملاحظات السلوك الظاهرى للمتعلمين. ولقد كانت السيادة لهذه النظريات السلوكية حتى قبل عام 1975.
النظريات المعرفية:
وتضم تلك النظريات التى اهتمت بدراسة العمليات العقلية التى تحدث داخل عقل المتعلم. وهذه النظريات تهتم بما يجرى داخل عقل المتعلم بالإضافة إلى العوامل الخارجية للتعلم. ويؤكد أنصار هذه النظريات على كيفية اكتساب المعرفة وتنظيمها وتخزينها فى الذاكرة واستخدامها فى التعلم اللاحق والتفكير فيما يتم تعلمه. فالمتعلم يتعلم كلما بذل جهداً معرفياً، وكلما تحول من السلبية إلى الإيجابية. وتتحدد وظيفة المتعلم فى التعلم المعرفى دائماً بتوليد صورة جديدة من الخبرة وتنظيمها وصياغتها بصورة ذاتية تعكس قدراته العقلية، وتعكس إستراتيجياته المعرفية فى معالجته للقضايا والمواقف والمشكلات التى يواجهها. فالمتعلم يتعلم عندما يفهم ويدرك العلاقات، وعندما يحدث التعلم فإنه يرى الأشياء فى صورة جديدة عندما ترتبط المعلومات الجديدة بما هو قائم فى البنية المعرفية للمتعلم. وقد اكتسبت وجهة نظر التعلم المعرفى تأييداً كبيراً منذ اوائل الخمسينات من القرن الماضى.
النظرية البنائية:
يعد المنحى البنائى احدث ما عرف من مناح فى التدريس، اذ تحول التركيز من العوامل الخارجية التى تؤثر فى تعلم الطالب مثل متغيرات المعلم والمدرسة والمنهج الأقران وغير ذلك من هذه العوامل، ليتجه هذا التركيز على العوامل الداخلية التى تؤثر فى هذا التعلم. اى اخذ التركيز ينصب على ما يجرى بداخل عقل المتعلم حينما يتعرض للمواقف التعليمية مثل: معرفته السابقة وما يوجد من فهم ساذج سابق للمفاهيم، وعلى قدرته على التذكر، وقدرته على معالجة المعلومات، ودافعيته للتعلم، وانماط تفكيره، وكل ما يجعل التعلم لديه ذا معنى. وترتكز البنائية على التسليم بأن كل ما يبنى بواسطة المتعلم يصبح ذا معنى له، مما يدفعه لتكوين منظور خاص به عن التعلم وذلك من خلال المنظومات والخبرات الفردية. فالبنائية ترتكز على إعداد المتعلم لحل مشكلات فى ظل مواقف او سياقات غامضة.
الافتراضات التى تقوم عليها النظرية البنائية:
يمكن تحديد افتراضات النظرية البنائية فى النقاط الآتية:
1- أن بناء المعرفة يتم من الخبرة: بمعنى ان التعليم عملية بنائية يتم فيها قيام المتعلم بنفسه ببناء تمثيل داخلى للمعلومات مستخدماً فى ذلك خبرته السابقة.
2- المتعلم يقوم بعمل تفسير شخصى: فلكل متعلم تفسيره الخاص، وفى التعلم البنائى لايشترك اكثر من شخص فى تفسير واحد بنفس الطريقة للواقع الذى يحيط بكل منهما.
3- التعلم تساهمى: بمعنى ان هذا النوع من التعلم يناقش المعنى المعروض من خلال اكثر من وجهة نظر واحدة (ويأتى النمو المفاهيمى من خلال المشاركة للموقف او المفهوم استجابة لوجهات النظر هذه) والتعليم يجب ان يسمح فيه بالمساهمة مع الأخرين لعرض وجهات النظر المتعددة التى يمكن استحضارها للوصول الى موقف تم اختياره ذاتياً.
4- التعلم يحدث من خلال مواقف حقيقية: ينبغى ان يتم التعلم من خلال وضع المتعلم فى مواقف تعليمية حقيقية يتم إعدادها وتجهيزها بحيث تقوم على أساس براهين قوية تعكس إحساس المتعلمين بالعالم الحقيقى.
5- تكامل القياسات: ففى التعليم البنائى تتكامل القياسات مع المهمة، فالذى يقاس ويقيم هنا، هل نجحنا فى أداء المهمة المعطاة لنا أم لا؟ ولا تقاس بهل طبقنا نشاطاً معيناً. ولقياس مدى ما تعلمنا يجب ان يكون كيف تم بناء المعرفة فى فكر المتعلم وكيف سهلنا التفكير فى مجال معين.
مقتضيات ومتطلبات استخدام النظرية البنائية:
ان استخدام النظرية البنائية يقتضى ما يلى:
- من الضرورى ان يعرف المعلم كيفية بناء كل متعلم لمعرفته حينئذ يمكن مساعدته ان يكتسب الخبرة الجديدة. ويتم ذلك بأن يقدم المعلم بعض الأسئلة الكاشفة التى توضح إن كان لديه خبرة سابقة وبنيات لها علاقة بالموضوع الجديد من عدمه.
وهذا بالضرورة يستلزم قيام المعلم بتنفيذ بعض الأنشطة الكاشفة لذلك والتى تعد بمثابة استبانة توضح له مستوى المتعلمين ومدى خبراتهم السابقة.
- ضرورة ان يتفاعل المعلم فى العملية البنائية مع كل واحد من طلابه على حده لكى يرى كيف يقوم كل منهم ببناء المعرفة. ويساعد المتعلم على تشكيل المعلومة وإضافة صفة الذاتية عليها وبالطريقة التى تروق لكل منهم من خلال استخدام المعلم لبعض التوجيهات البسيطة.
و التعامل مع البنائية يستلزم الآتى:
- ضرورة التعمق وعدم التعامل مع المفاهيم بطريقة سطحية.
الاتجاه الى التفسير والتأويل الصحيح للمفاهيم والابتعاد عن التفسيرات الخاطئة او (البديلة).
- عدم الإفراط فى التمركز حول الذات او الأنانية حيث تقوم هذه النظرية على استخدام الخبرة السابق بناؤها فى عقول المتعلمين وقد يكون لكل منهم خبرة خاطئة يحاول تطبيقها على الآخرين.
وهنا يجب ان تزيد من التفاعلات الاجتماعية التى تمنع المفاهيم الانفرادية الخاطئة.
الأسس التى تقوم عليها النظرية البنائية:
تقوم النظرية البنائية على الأسس التالية:
1- تبنى على التعلم وليس على التعليم.
2- تشجع وتقبل استقلالية ومبادرة المتعلمين.
3- تجعل المتعلمين كمبدعين .
4- تجعل التعلم كعملية.
5- تشجع البحث والاستقصاء للمتعلمين.
6- تؤكد على الدور الناقد للخبرة فى التعلم.
7- تؤكد على حب الاستطلاع.
8- تأخذ النموذج العقلى للمتعلم فى الحسبان.
9- تؤكد الأداء والفهم عند تقييم التعلم.
10- تؤسس على مبادئ النظرية المعرفية.
11- تعمل على استخدام المصطلحات المعرفية مثل (التنبؤ - الإبداع - التحليل).
12- تأخذ فى الاعتبار كيف يتعلم الطلاب.
13- تشجع المتعلمين على الاشتراك فى المناقشة مع المعلم او فيما بينهم.
14- ترتكز على التعلم التعاونى.
15- تضع المتعلمين فى مواقف حقيقية.
16- تؤكد على المحتوى الذى يحدث التعلم.
17- تأخذ فى الاعتبار المعتقدات والاتجاهات للمتعلمين.
18- تزود المتعلمين بالفرض المناسبة لبناء المعرفة الجديدة والفهم من الخبرات الواقعية.
خصائص النظرية البنائية:
وبناء على ماسبق يمكننا تحديد عدة خصائص بارزة لآراء البنائية والتى يمكن ان يكون لها تأثير فى المواقف التعليمية:
1- لا ينظر إلى المتعلم على انه سلبى ومؤثر فيه، ولكن ينظر اليه على انه مسئول مسئولية مطلقة عن تعليمه.
2- تستلزم عملية التعلم عمليات نشطة، يكون للمتعلم دور فيها حيث تتطلب بناء المعنى.
3- المعرفة ليست خارج المتعلم، ولكنها تبنى فردياً وجماعياً فهى متغيرة دائماً.
4- يأتى المعلم الى المواقف التعليمية ومعه مفاهيمه، ليس فقط المعرفة الخاصة بموضوع معين، ولكن ايضاً آرائه الخاصة بالتدريس والتعلم وذلك بدوره يؤثر فى تفاعله داخل الفصل.
5- التدريس ليس نقل المعرفة، ولكنه يتطلب تنظيم المواقف داخل الفصل، وتصميم المهام بطريقة من شأنها أن تنمى التعلم.
6- المنهج ليس ذلك الذى يتم تعلمه، ولكنه برنامج مهام التعلم والمواد والمصادر، والتى منها يبنى المتعلمين معرفتهم.
7- تولد البنائية أراء مختلفة عن طرق التدريس والتعلم، وكيفية تنفيذها فى الفصل، حتى تكون متسقة مع المتطلبات العالمية للمناهج والتى تنص على أن أفكار المتعلمين سوف تتغير مع اتساع خبراتهم، وهناك دور جوهرى للمعلم فى هذه العملية فالمعلم يمكنه ان يتفاعل مع المتعلم، ويثير الأسئلة ويستند على التحديات الحالية والخبرات.
بعض إستراتيجيات التدريس القائمة على الفكر البنائى:
هناك العديد من إستراتيجيات التدريس ذات العلاقة بالنموذج البنائى فى التعلم، والتى يمكن تبنيها داخل حجرات الدراسة فى مدارسنا، ومن هذه الإستراتيجيات والنماذج:
أولاً: نموذج ويتلى للتعلم البنائى:
نموذج ويتلى أحد النماذج القائمة على الفلسفة البنائية فى التعليم والتعلم، وهو نموذج للتعلم المتمركز حول مشكلة فى مجال تدريس العلوم والرياضيات. ويؤكد هذا النموذج على وجود المتعلم فى مواقف مشكلية وذات معنى، والتى يمكن ان تستخدم كنقطة انطلاق للاستقصاء والاكتشاف، ويتم من خلال المجموعات المتعاونة. ويهدف التدريس باستخدام هذا النموذج الى مساعدة الطلاب على تنمية التفكير وحل المشكلات ويشجعهم على التعاون والمناقشة.
ويتكون هذا النموذج من ثلاثة مكونات موضحة فى الشكل المنظومى التالى:
1-مهام التعلم:
تمثل مهام التعلم المحور الأساسى للتعلم المتمركز حول المشكلة ، وتركز الاهتمام على المفاهيم الأساسية للموضوع الذى يقود المتعلم الى بناء طرق فعالة للتفكير العلمى ، ويجب أن تكون هذه المهام متقبلة من كل فرد فى البداية و تسمح بالمناقشة والاتصال وتشجع أسئلة ماذا لو What if …ولماذا Why… وتستخدم الخبرات الحياتية للمتعلم ، وذات معنى بالنسبة له.
2- المجموعات المتعاونة:
العمل فى مجموعات صغيرة يساعد على تحسين مهارات التعاون والاتصال بين الطلاب ، ويساعدهم على اكتشاف المشكلة معا ، ويقسمون الى عدة مجموعات تضم كل مجموعة أثنين من المتعلمين أو أكثر ، ويعمل أفراد كل مجموعة على التخطيط لحل المشكلة وتنفيذ هذا الحل .وذلك من خلال مبدأ التفاوض الاجتماعي وقد يتطلب الآمر توزيع الأدوار فيما بينهم .
ويكون دور المعلم فى هذه الخطوه التوجيه والإرشاد، حيث أنه يمر على مجموعات العمل ويوجه بعض المجموعات أحيانا إلى إعادة التقدير والتأمل فيما وصلوا إليه
3- المشاركة:
بعد الانتهاء من المهام داخل المجموعات تبدأ المناقشة ، حيث يعرض طلاب كل مجموعة حلولهم ، والأساليب التى استخدموها وصولاً لتلك الحلول، ثم تدور المناقشات بين المجموعات للوصول لنوع من الاتفاق فيما بينهم ، وهذه المناقشات تعمل على تعميق فهمهم لكل الحلول والأساليب المستخدمة فى الوصول لحل تلك المشكلات، كما تعمل على تعديل تفكيرهم ونموه وتنقيحه ، ونمو التواصل الاجتماعي والمهارات الاجتماعية
وهذا النموذج يناسب مهام التعلم ذات العلاقة بحل المشكلات وخاصة المشكلات مفتوحة النهاية ، وتحتاج الى وقت كافي لممارسة الأنشطة ، كما أنها لم تتضمن مكونا خاصا بعملية التقويم ، ولا تصلح لتدريس حل المشكلات اذا كان فى يد المتعلم كتب تقليدية تقدم حلولا جاهزة لهذه المشكلات .
ثانيا : نموذج دورة التعلم:
يعد هذا النموذج ترجمة لبعض أفكار النظرية البنائية المعرفية فى مجال التدريس. وتمتاز دورة التعلم عن غيرها من الطرق فى أنها تراعى قدرات المتعلم العقلية، وتساعده على التفكير وتشجعه على التعاون والعمل الجماعى . وتسير عملية التدريس بهذا النموذج وفقا لثلاث مراحل أساسية
1-مرحلة الاستكشاف The Exploration Phase
2- مرحلة الإبداع المفاهيمى The Conceptual invention Phase
3- مرحلة الأتساع المفاهيمى The Conceptual expansion Phase
ويمكن التعبير عن مراحل دورة التعلم بالشكل المنظومى التالي:
1- مرحلة الاستكشاف:
تبدأ هذه المرحلة بتفاعل الطلاب مباشرتا مع أحد الخبرات الجديدة ، والتى تثير لديهم تساؤلات قد يصعب عليهم الإجابة عنها ، ومن ثم فهم يقومون بالبحث عن أجابة لتساؤلاتهم من خلال توجيههم إلى بعض الأنشطة الفردية أو الجماعية ، وأثناء عملية البحث هذه قد يكتشفون أشياء أو أفكار أو علاقات لم تكن معروفة لهم من قبل .
ويقتصر دور المعلم فى هذه المرحلة على التوجيه المعقول للطلاب أثناء قيامهم بهذه الأنشطة وتشجيعهم على مواصلة القيام بتلك الأنشطة دون أن يتدخل بشكل كبير فيما يقومون به .
2- مرحلة الإبداع المفاهيمى :
أو مرحلة تقديم المفهوم Concept introduction Phase , وفى هذه المرحلة يزود الطلاب بالمفهوم أو المبدأ المرتبط بالخبرات الجديدة التى صادفتهم فى مرحلة الاستكشاف ، وقد تتم عملية تقديم المفهوم عن طريق المعلم أو الكتاب الدراسي أو فيلم تعليمي … ثم يقود المعلم نقاشا ليوصل الطلاب الى المفهوم موضع الدراسة
ويلاحظ فى دورة التعلم أن البيانات تقود الى المفهوم عكس ما يتم فى التدريس التقليدى حيث يقود المفهوم الى تأ ييد البيانات .
3- مرحلة الأتساع المفاهيمى :
أو مرحلة تطبيق المفهوم Concept Application Phase وفى هذه المرحلة يوجه الطلاب الى مجموعة من الأنشطة المناسبة والتى تعينهم على توسيع المعنى مثل أجراء تجارب معملية اضافية لتطبيق المفهوم، أوالقيام بعرض عملي ، أو القراءة عن موضوعات متعلقة بتطبيق المفهوم … وهذه المرحلة تساعد الطلاب على انتقال أثر التعلم وعلى تعميم خبراتهم السابقة فى مواقف جديدة 0
وفى هذه المرحلة يتيح المعلم الفرصة للطلاب للمناقشة مع بعضهم ويلاحظهم ويساعدهم على التغلب على ما قد يواجههم من صعوبات فى تعلم المفهوم وتطبيق ما تعلموه فى حياتهم العملية 0
ويعد هذا النموذج أحد البدائل الفعاله فى التدريس . وخاصة تلك الموضوعات التى يمكن التخطيط لتدريسها وفق مراحله الثلاث . غير أنه مكلف ويحتاج الى وقت أطول من غيره من الطرق ، كما أنه لم يقدم تصوراً محدداً لعملية التقويم . وعلى من يستخدمه أن يتبنى نظاماً للتقويم يتمشى مع خصائص ذلك النموذج وخصائص المتعلمين به .
ثالثاُ: النموذج المنظومى:
يعتمد بناء التراكيب النظرية لذلك النموذج على ثلاثة مصادر، تتمثل فى نظرية "بياجية" عن علم النفس النمائى، وعلم النفس المعرفى، وكيفية تنظيم المعلومات داخل المخ البشرى. فقد اسهم فكر "بياجية" حول المواءمة وعدم الاتزان فى إرساء معالم ذلك النموذج، فضلاً عما قدمه علم النفس المعرفى حول البنية المعرفية وكيف يحدث لها اعادة تشكيل عن طريق التكيف بين الخبرات السابقة واللاحقة وصولاً لحالة الاتزان المعرفى، ثم كيف تنظم تلك الخبرات داخل المخ البشرى فى صورة شبكية متداخلة. والنموذج المنظومى قائم على الفلسفة البنائية التى تؤكد على أهمية أن يكون التعلم ذا معنى فتعلم شىء جديد او محاولة فهم شىء معروف بعمق اكبر ليست عملية خطية وإنما للوصول إلى ذلك فإن المتعلم يستخدم كل تجاربه ومعارفه السابقة الموجودة فى بنية المعرفية ليمكنه فهم المعارف الجديدة ويتم فى هذا النموذج مساعدة الطلاب على بناء مفاهيمهم ومعارفهم العلمية بصورة منظومية مرتبة وفق ست مراحل أساسية متتالية هى:
1- التعرف على المعلومات السابقة.
2- الاشتراك "الاندماج": Engagement
3- الاستكشاف Exploring
4- تقديم المفهوم "الإيضاح والتفسير" Concept introduction
5- التوسع "التفكير التفصيلى" Elaboration
6- التقويم Evaluation
وفيما يلى وصف تفصيلى لهذه المراحل:
شكل (3) مراحل النموذج المنظومى
1- التعرف على المعلومات السابقة:
يعد التعرف على ما بحوزة المتعلم من معارف سابقة فى بنيته المعرفية حول موضوع الدرس نقطة البدء فى الفكر البنائى، حيث تعطى فكرة عن رؤية المتعلم للعالم من حوله وكيفية تفسيره لإحداثه وسلوكه، ويتم الكشف عن خبرة المتعلم السابقة بعدة طرق منها المناقشة، أو المقابلات الشخصية، أو كتابة تقرير، أو عمل خريطة مفاهيم، او منظومة،... ثم ترتب المعارف السابقة للمتعلم حول الموضوع فى صورة منظومات معرفية أو أفكار ومفاهيم ، من خلال مخطط منظومى كلى، معد للمقرر وربطها بالمعارف الجديدة منظومياً. مما يسهل دخولها بسهولة فى البنية المعرفية للمتعلم "انظر شكل (4)".
والغرض من تنشيط منظومة المعارف السابقة لدى المتعلم تنشيط الذاكرة واستدعاء ما يختص منها بالخبرة او الموقف الجديد.
2- الاشتراك "الاندماج"
وفى هذه المرحلة يقوم المعلم بحث الطلاب على البحث عن المعلومات والمفاهيم الجديدة، باستخدام الأفكار المماثلة فى الذاكرة، وعبر ملاحظة مظاهر الموقف وباستخدام الدرس وتشويق الطلبة وشد انتباههم وإثارة دافعيتهم لاشتراكهم فى التفكير فى الموضوع المثار فى الدرس. ويواجه المعلم الطلاب حيث يقومون بتحديد المهام التعليمية، ووضع الروابط بين الخبرات التعليمية السابقة والحالية، وكذلك تحديد الأنشطة الأساسية المرتبطة بالموضوع. وفى هذه المرحلة يتفاعل الطلاب مع الخبرات الجديدة، حيث تثير لديهم تساؤلات عديدة قد يصعب عليهم الإجابة عنها بما هو متوافر لديهم من معارف فى بنيتهم المعرفية، ومن ثم فهم يقومون بالبحث عن إجابات لتساؤلاتهم من خلال توجيههم إلى بعض الأنشطة الفردية او الجماعية. وبذلك فإن الطلاب فى هذه المرحلة يتم توجيه انتباههم نحو المعرفة الجديدة، وذلك من خلال مساعدتهم على توجيه الأسئلة وتحديد المشكلات ورؤية الأحداث وكيفية التفاعل معها وتمثيل موقف مشكل... الخ.
3- الاستكشاف:
يقوم الطلاب فى هذه المرحلة بالتفاعل مع واحدة من الخبرات او المعلومات الجديدة عن طريق القيام بالعديد من التجارب والأنشطة للإجابة عن تساؤلاتهم، وأثناء ذلك قد يكتشفون أشياء أو أفكار أو علاقات لم تكن معروفة لهم من قبل. كما ان هذه الأنشطة تساعد الطلاب على ايجاد حالة من المعالجة العميقة للمعلومات والمفاهيم، وفهم المعارف الجديدة واستيعابها وهضمها، وذلك عن طريق استخلاص اكثر من علاقة تربط بين ما يوجد لديهم من مفاهيم سابقة والمفاهيم الجديدة المتعلمة. ويقوم الطلاب بالتجارب والأنشطة من خلال العمل فى مجموعات، مما ينمى لديهم مهارات التعاون والمشاركة والاتصال.
ويقتصر دور المعلم فى هذه المرحلة على تزويد الطلاب بالمواد اللازمة وتوجيههم التوجيه المعقول أثناء قيامهم بهذه الأنشطة، وتشجيعهم على مواصلة القيام بتلك الأنشطة دون أن يتدخل بشكل كبير فيما يقومون به. وبذلك يكتشف الطلاب المعلومة بأنفسهم متبعين تعليمات المعلم التى يجب أن تصمم بحيث تولد تناقضات عديدة بين توقعات الطلاب وما يتوصلون إليه من بيانات.
4- تقديم المفهوم "الإيضاح والتفسير":
يصل المتعلم فى هذه المرحلة الى المفهوم او المبدأ المرتبط بالخبرات الجديدة التى تم التوصل اليها فى المرحلة السابقة. حيث يسمح لكل مجموعة من المجموعات عرض ما تم التوصل اليه او اكتشافه مع الزملاء، ويعرضون الحلول التى توصلوا إليها، وكذلك الأساليب التى استخدموها للوصول إلى هذه الحلول. وفى هذه المرحلة يكتسب المتعلمون العديد من مهارات الاتصال، حيث يشرح كل متعلم المعرفة التى تم التوصل إليها، والأسئلة التى كانت محل اهتمامه والفروض التى بحث عنها. كما يكتسبون العديد من مهارات المشاركة والتعاون وتحمل المسئولية للوصول إلى النتائج المرغوبة وذلك أثناء قيامهم بالأنشطة.
وقد يقود المعلم المناقشات حتى يتوصل الطلاب إلى المفهوم موضوع الدراسة، والمعلم هنا لايذكر المفهوم للطلاب، وإنما يعطى لهم الصياغة العلمية المناسبة - فحسب أو يذكر لهم المصطلح العلمى للمفهوم.
وفى حالة ما إذا لم يتمكن المتعلمون من الوصول بأنفسهم إلى المفاهيم والمبادئ ذات العلاقة بخبراتهم الحسية فى مرحلة الاستكشاف، فإن المعلم فى هذه الحالة يضطر إلى تزويد المتعلمين مباشرة بهذا المفهوم سواء من خلال الشرح الشفهى، او من خلال إحالتهم إلى الكتب و المراجع او فيلم تعليمى او الى غير ذلك من مصادر المعرفة المباشرة ثم يكلف الطلاب بعمل مخططات منظومية كل على حدة، لبيان مدى فهمهم للموضوع ولأنواع العلاقات المختلفة للمعارف كما يدركها كل طالب فى بنيته المعرفية .
5- التوسع "التفكير التفصيلى":
فى هذه المرحلة يوجه المعلم الطلاب الى مجموعة من الأنشطة المناسبة، والتى تعينهم على توسع المعنى مثل اجراء تجارب معملية اضافية لتطبيق المفهوم، او القيام بعرض عملى، او توجيه الطلاب الى قراءة موضوع متعلق بتطبيق المفهوم... "وهذه الخطوة تساعد الطلاب على ترسيخ معنى المفهوم فيتناولون الموضوع من كافة جوانبه ويتسع مدى فهمهم له وفهم علاقته بالمفاهيم الأخرى. وبعبارة أخرى هذه المرحلة تساعد الطلاب فى التعرف على مدى قدرتهم على استعمال المعرفة الجديدة فى مواقف تعليمية جديدة. اى تطبيق المعارف التى تمت دراستها فى مواقف الحياة المختلفة. اى اختبار قدرة المتعلم على تذكر المعلومات، واسترجاعها، وفهمها، وتطبيقها، وتحليلها، وأدراك العلاقات التىتربط بينها، ثم استنتاجها، وتركيبها وتقويمها كما تساعدهم على التفكير المرن والتفكير الأكثر أصالة والتفكير المنظومى، كما تسمح لهم بالشجاعة فى التفكير " المخاطرة" والتمثيل الذى يعتبر من مهارات التفكير العليا.
6- التقويم:
يتم التقويم أثناء العملية التعليمية كلها، مما يمكن المعلم من معرفة مدى ما اكتسبه المتعلم من خبرات، وتحديد اوجه القصور لتجنبها. ويستخدم المعلم العديد من الأساليب مثل التقويم بملفات عمل الطالب (Portfolios Assessment) وتقويم الآداء (Performance Assessment) بما يشمله من قوائم التقدير (Check Lists) والموازين المتدرجة للتقدير (Rating Scales) والمعدلات الكلية (Holistic Scoring) والمقابلات الشخصية (Interviews) والمشروعات وغيرها من الشواهد الملموسة عن مدى التقدم الفعلى لعملية التعلم. وقد يكون التقويم نقطة بداية لإثراء تعلم الطلاب، كما يساعد المعلم فى إعداد الدروس وقد يكون مؤشراً لحتمية التطوير.
أن النظر إلى التقويم بوصفه عملية مستمرة يجعل من النموذج المنظومى نظاماً دائرياً. وتكون عملية التعلم نفسها مفتوحة النهاية حيث تؤدى الأسئلة إلى إجابات والإجابات إلى أسئلة جديدة وهكذا. ويمتاز هذا النموذج عن غيره من النماذج فى عدة جوانب لعل من اهمها انه:
- يقدم العلم كطريقة بحث، ويساعد المتعلم على التفكير التفصيلى والتوسعى وبالتالى يسمح للطلاب بالتفكير المرن والتفكير المنظومى من خلال قيامه بالعديد من التجارب والانشطة، مما يساعده على التعلم القائم على المعنى.
- يجمع بين بيئات التعلم البنائى فهو يشتمل على بيئات التعلم التعاونى وبيئات التعلم المعرفية المرنة، فضلاً عن سيقات التعرف الموقفى فى عالم حقيقى او ما يسمى بالتعلم الموقفى Situation learning
- يعتبر شاملاً لعدة خطوات تعتمد على مهارات التفكير العليا والتعلم القائم على المعنى مثل الاستكشاف والتفسير والتوسع والتقويم... وكلها عمليات تعلم ضرورية للتوصل إلى المعنى ويمكن ان يساهم فى تصحيح التصورات البديلة عند الطلاب وتحقق منظومة الأهداف التعليمية بوجه عام.
- يركز على التفاعل بين الطلاب والمعلم والمهام التعليمية من خلال اسلوب التعلم التعاونى وإثارة الاستقصاء والمناقشة وبناء المعرفة للتوصل الى زيادة الاستيعاب المفاهيمى.
- يقوم على الشرح والتفسير والمناقشة من خلال المجموعات وبعضها وبينها وبين المعلم مما يساعد على الفهم العميق للمفاهيم ويؤدى الى زيادة التعلم القائم على المعنى.
- يزود الطلاب بوسائل التقويم المختلفة من خلال مرحلة التقويم وذلك باستخدام اختبارات مقننة.
- ينمى مهارات الاتصال الجماعى بين الطلاب ويشجعهم على التعاون والعمل الجماعى.
- يحقق اعلى درجات التعلم ويزيد من فعاليته واستمراريته، حيث ان المتعلم عندما يرى المخطط المنظومى الشامل للوحدة او للدرس - وهو فى اول مراحل التعلم - سوف يزيد من دافعيته للتعلم والاستمرار فيه، حيث انه فى كل مرحلة من مراحل التعلم يعرف ما تعلمه بالفعل وما يتعلمه الآن وما سوف يتعلمه فى ضوء الأهداف المعطاة. كما هو مبين فى الشكل المنظومى التالى:
شكل (5): الفكرة المنظومية فى التدريس والتعلم
- رؤية الهدف النهائى يكون بمثابة المعزز الذى يدفع المتعلم ويحثه على التعلم ويشعره بالثقة بنفسه وقدراته. فالمتعلم يكون هنا واعياً منذ البداية بالهدف النهائى المراد تحقيقه، كما انه يكون واعياً فى كل خطوة من خطوات التدريس بما سبق دراسته وما يقوم بدراسته، وما الجزء المتبقى للوصول الى الهدف النهائى "المنظومة الكلية".
المراجــــــع:
1- حسن حسين زيتون، كمال عبد الحميد زيتون (2003): التعلم والتدريس من منظور النظرية البنائية، عالم الكتب.
2- خليل يوسف الخليلى وأخرون (1996): تدريس العلوم فى مراحل التعليم العام، دبى، دار القلم.
3- فاروق فهمى، جو لاجوسكى (2000): الاتجاه المنظومى فى التدريس والتعلم للقرن الحادى والعشرين، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع.
4- فاروق فهمى، منى عبدالصبور (2001): المدخل المنظومى فى مواجهة التحديات التربوية المعاصرة والمستقبلية، دار المعارف.
6- Baker, D. R. & Piburn, M. D. (1997): Constructing Science in Middle and Secondary School Classrooms, Boston, London, Allyn and Bacon.
7- Carin, A. A. (1997): Teaching Modern Science, Seventh Edition, Upper Saddle River, New Jersey, Prentice -Hall, I
المدخل المنظومى وبعـض نماذج التدريــس
القائمة على الفكر البنـــائى
أ.د. منى عبدالصبور محمد
أستاذ المناهج وخبير بمركز تطوير تدريس العلوم
جامعة عين شمس
من افضل الطرق لتعليم الطلاب إشراكهم فكريا ويدويا فى الأنشطة العلمية، حيث يلاحظون ويصنفون ويقيسون ويتوقعون ويستنتجون ويفسرون ويجربون بما يماثل ما يقوم به العلماء. وحتى يتمكن المعلم من تعليم الطلاب بما يمكنهم من ممارسة ذلك، لابد له من معرفة كيف يتعلم الطلاب فى المراحل العمرية المختلفة، وكيف يفكرون. وهذا يعنى أن المعلم لابد ان يبنى نظريته فى التدريس. فالنظرية ستساعده على تنظيم تصور للعملية التعليمية وبلورة رؤى واضحة حولها، فضلاً عن أهميتها فى مساعدته على تحليل العملية التعليمية وتوقع نتائجها.
ويمكن تصنيف النظريات التى اهتمت بالتدريس إلى:
النظريات السلوكية:
وتضم تلك النظريات التى اهتمت بدراسة السلوك الظاهرى للمتعلم. ويرى أنصار هذه النظريات ان العملية التعليمية تحدث نتيجة مؤثرات خارجية تؤدى إلى استجابات من قبل المتعلم، فالتعلم بالنسبة لهذه النظريات هو تعديل فى سلوك الفرد اى أن هذه النظريات تهتم بالسلوك الظاهرى للمتعلم ولاتهتم بما يحدث داخل عقل المتعلم.
ويرى أنصار هذه النظريات ان على المعلم ان يجيب عن السؤال التالى:
كيف يمكننى ان ابرز "او أوضح" الدافعية للتعلم لدى المتعلمين؟
ومن ثم نجد ر وادها يضعون الافتراض التالى حول المناهج وطرق التدريس:
"ان المناهج وطرق التدريس تعمل على إبراز الدافعية لدى المتعلمين"
لذا نجد ان الحكم على طبيعة العملية التعليمية يتم على أساس هذا الافتراض. فمثلاً اذا لم يعر المتعلمين الأنشطة المعملية اهتماماً، فإن اللوم غالباً ما يلقى على المادة التعليمية او المعلمين او مصممى المواد التعليمية، ونجدهم نادراً ما يصنعون قدرات المتعلمين فى الحسبان فى مثل هذه الحالة.
ولذا يرى أنصار هذه النظريات ان التعلم يتم بدفع من مؤثرات خارجية ولكى يحدث التعلم يجب ان تهيأ الظروف الخارجية المناسبة لذلك، كما يجب ان تبنى النتائج على ملاحظات السلوك الظاهرى للمتعلمين. ولقد كانت السيادة لهذه النظريات السلوكية حتى قبل عام 1975.
النظريات المعرفية:
وتضم تلك النظريات التى اهتمت بدراسة العمليات العقلية التى تحدث داخل عقل المتعلم. وهذه النظريات تهتم بما يجرى داخل عقل المتعلم بالإضافة إلى العوامل الخارجية للتعلم. ويؤكد أنصار هذه النظريات على كيفية اكتساب المعرفة وتنظيمها وتخزينها فى الذاكرة واستخدامها فى التعلم اللاحق والتفكير فيما يتم تعلمه. فالمتعلم يتعلم كلما بذل جهداً معرفياً، وكلما تحول من السلبية إلى الإيجابية. وتتحدد وظيفة المتعلم فى التعلم المعرفى دائماً بتوليد صورة جديدة من الخبرة وتنظيمها وصياغتها بصورة ذاتية تعكس قدراته العقلية، وتعكس إستراتيجياته المعرفية فى معالجته للقضايا والمواقف والمشكلات التى يواجهها. فالمتعلم يتعلم عندما يفهم ويدرك العلاقات، وعندما يحدث التعلم فإنه يرى الأشياء فى صورة جديدة عندما ترتبط المعلومات الجديدة بما هو قائم فى البنية المعرفية للمتعلم. وقد اكتسبت وجهة نظر التعلم المعرفى تأييداً كبيراً منذ اوائل الخمسينات من القرن الماضى.
النظرية البنائية:
يعد المنحى البنائى احدث ما عرف من مناح فى التدريس، اذ تحول التركيز من العوامل الخارجية التى تؤثر فى تعلم الطالب مثل متغيرات المعلم والمدرسة والمنهج الأقران وغير ذلك من هذه العوامل، ليتجه هذا التركيز على العوامل الداخلية التى تؤثر فى هذا التعلم. اى اخذ التركيز ينصب على ما يجرى بداخل عقل المتعلم حينما يتعرض للمواقف التعليمية مثل: معرفته السابقة وما يوجد من فهم ساذج سابق للمفاهيم، وعلى قدرته على التذكر، وقدرته على معالجة المعلومات، ودافعيته للتعلم، وانماط تفكيره، وكل ما يجعل التعلم لديه ذا معنى. وترتكز البنائية على التسليم بأن كل ما يبنى بواسطة المتعلم يصبح ذا معنى له، مما يدفعه لتكوين منظور خاص به عن التعلم وذلك من خلال المنظومات والخبرات الفردية. فالبنائية ترتكز على إعداد المتعلم لحل مشكلات فى ظل مواقف او سياقات غامضة.
الافتراضات التى تقوم عليها النظرية البنائية:
يمكن تحديد افتراضات النظرية البنائية فى النقاط الآتية:
1- أن بناء المعرفة يتم من الخبرة: بمعنى ان التعليم عملية بنائية يتم فيها قيام المتعلم بنفسه ببناء تمثيل داخلى للمعلومات مستخدماً فى ذلك خبرته السابقة.
2- المتعلم يقوم بعمل تفسير شخصى: فلكل متعلم تفسيره الخاص، وفى التعلم البنائى لايشترك اكثر من شخص فى تفسير واحد بنفس الطريقة للواقع الذى يحيط بكل منهما.
3- التعلم تساهمى: بمعنى ان هذا النوع من التعلم يناقش المعنى المعروض من خلال اكثر من وجهة نظر واحدة (ويأتى النمو المفاهيمى من خلال المشاركة للموقف او المفهوم استجابة لوجهات النظر هذه) والتعليم يجب ان يسمح فيه بالمساهمة مع الأخرين لعرض وجهات النظر المتعددة التى يمكن استحضارها للوصول الى موقف تم اختياره ذاتياً.
4- التعلم يحدث من خلال مواقف حقيقية: ينبغى ان يتم التعلم من خلال وضع المتعلم فى مواقف تعليمية حقيقية يتم إعدادها وتجهيزها بحيث تقوم على أساس براهين قوية تعكس إحساس المتعلمين بالعالم الحقيقى.
5- تكامل القياسات: ففى التعليم البنائى تتكامل القياسات مع المهمة، فالذى يقاس ويقيم هنا، هل نجحنا فى أداء المهمة المعطاة لنا أم لا؟ ولا تقاس بهل طبقنا نشاطاً معيناً. ولقياس مدى ما تعلمنا يجب ان يكون كيف تم بناء المعرفة فى فكر المتعلم وكيف سهلنا التفكير فى مجال معين.
مقتضيات ومتطلبات استخدام النظرية البنائية:
ان استخدام النظرية البنائية يقتضى ما يلى:
- من الضرورى ان يعرف المعلم كيفية بناء كل متعلم لمعرفته حينئذ يمكن مساعدته ان يكتسب الخبرة الجديدة. ويتم ذلك بأن يقدم المعلم بعض الأسئلة الكاشفة التى توضح إن كان لديه خبرة سابقة وبنيات لها علاقة بالموضوع الجديد من عدمه.
وهذا بالضرورة يستلزم قيام المعلم بتنفيذ بعض الأنشطة الكاشفة لذلك والتى تعد بمثابة استبانة توضح له مستوى المتعلمين ومدى خبراتهم السابقة.
- ضرورة ان يتفاعل المعلم فى العملية البنائية مع كل واحد من طلابه على حده لكى يرى كيف يقوم كل منهم ببناء المعرفة. ويساعد المتعلم على تشكيل المعلومة وإضافة صفة الذاتية عليها وبالطريقة التى تروق لكل منهم من خلال استخدام المعلم لبعض التوجيهات البسيطة.
و التعامل مع البنائية يستلزم الآتى:
- ضرورة التعمق وعدم التعامل مع المفاهيم بطريقة سطحية.
الاتجاه الى التفسير والتأويل الصحيح للمفاهيم والابتعاد عن التفسيرات الخاطئة او (البديلة).
- عدم الإفراط فى التمركز حول الذات او الأنانية حيث تقوم هذه النظرية على استخدام الخبرة السابق بناؤها فى عقول المتعلمين وقد يكون لكل منهم خبرة خاطئة يحاول تطبيقها على الآخرين.
وهنا يجب ان تزيد من التفاعلات الاجتماعية التى تمنع المفاهيم الانفرادية الخاطئة.
الأسس التى تقوم عليها النظرية البنائية:
تقوم النظرية البنائية على الأسس التالية:
1- تبنى على التعلم وليس على التعليم.
2- تشجع وتقبل استقلالية ومبادرة المتعلمين.
3- تجعل المتعلمين كمبدعين .
4- تجعل التعلم كعملية.
5- تشجع البحث والاستقصاء للمتعلمين.
6- تؤكد على الدور الناقد للخبرة فى التعلم.
7- تؤكد على حب الاستطلاع.
8- تأخذ النموذج العقلى للمتعلم فى الحسبان.
9- تؤكد الأداء والفهم عند تقييم التعلم.
10- تؤسس على مبادئ النظرية المعرفية.
11- تعمل على استخدام المصطلحات المعرفية مثل (التنبؤ - الإبداع - التحليل).
12- تأخذ فى الاعتبار كيف يتعلم الطلاب.
13- تشجع المتعلمين على الاشتراك فى المناقشة مع المعلم او فيما بينهم.
14- ترتكز على التعلم التعاونى.
15- تضع المتعلمين فى مواقف حقيقية.
16- تؤكد على المحتوى الذى يحدث التعلم.
17- تأخذ فى الاعتبار المعتقدات والاتجاهات للمتعلمين.
18- تزود المتعلمين بالفرض المناسبة لبناء المعرفة الجديدة والفهم من الخبرات الواقعية.
خصائص النظرية البنائية:
وبناء على ماسبق يمكننا تحديد عدة خصائص بارزة لآراء البنائية والتى يمكن ان يكون لها تأثير فى المواقف التعليمية:
1- لا ينظر إلى المتعلم على انه سلبى ومؤثر فيه، ولكن ينظر اليه على انه مسئول مسئولية مطلقة عن تعليمه.
2- تستلزم عملية التعلم عمليات نشطة، يكون للمتعلم دور فيها حيث تتطلب بناء المعنى.
3- المعرفة ليست خارج المتعلم، ولكنها تبنى فردياً وجماعياً فهى متغيرة دائماً.
4- يأتى المعلم الى المواقف التعليمية ومعه مفاهيمه، ليس فقط المعرفة الخاصة بموضوع معين، ولكن ايضاً آرائه الخاصة بالتدريس والتعلم وذلك بدوره يؤثر فى تفاعله داخل الفصل.
5- التدريس ليس نقل المعرفة، ولكنه يتطلب تنظيم المواقف داخل الفصل، وتصميم المهام بطريقة من شأنها أن تنمى التعلم.
6- المنهج ليس ذلك الذى يتم تعلمه، ولكنه برنامج مهام التعلم والمواد والمصادر، والتى منها يبنى المتعلمين معرفتهم.
7- تولد البنائية أراء مختلفة عن طرق التدريس والتعلم، وكيفية تنفيذها فى الفصل، حتى تكون متسقة مع المتطلبات العالمية للمناهج والتى تنص على أن أفكار المتعلمين سوف تتغير مع اتساع خبراتهم، وهناك دور جوهرى للمعلم فى هذه العملية فالمعلم يمكنه ان يتفاعل مع المتعلم، ويثير الأسئلة ويستند على التحديات الحالية والخبرات.
بعض إستراتيجيات التدريس القائمة على الفكر البنائى:
هناك العديد من إستراتيجيات التدريس ذات العلاقة بالنموذج البنائى فى التعلم، والتى يمكن تبنيها داخل حجرات الدراسة فى مدارسنا، ومن هذه الإستراتيجيات والنماذج:
أولاً: نموذج ويتلى للتعلم البنائى:
نموذج ويتلى أحد النماذج القائمة على الفلسفة البنائية فى التعليم والتعلم، وهو نموذج للتعلم المتمركز حول مشكلة فى مجال تدريس العلوم والرياضيات. ويؤكد هذا النموذج على وجود المتعلم فى مواقف مشكلية وذات معنى، والتى يمكن ان تستخدم كنقطة انطلاق للاستقصاء والاكتشاف، ويتم من خلال المجموعات المتعاونة. ويهدف التدريس باستخدام هذا النموذج الى مساعدة الطلاب على تنمية التفكير وحل المشكلات ويشجعهم على التعاون والمناقشة.
ويتكون هذا النموذج من ثلاثة مكونات موضحة فى الشكل المنظومى التالى:
1-مهام التعلم:
تمثل مهام التعلم المحور الأساسى للتعلم المتمركز حول المشكلة ، وتركز الاهتمام على المفاهيم الأساسية للموضوع الذى يقود المتعلم الى بناء طرق فعالة للتفكير العلمى ، ويجب أن تكون هذه المهام متقبلة من كل فرد فى البداية و تسمح بالمناقشة والاتصال وتشجع أسئلة ماذا لو What if …ولماذا Why… وتستخدم الخبرات الحياتية للمتعلم ، وذات معنى بالنسبة له.
2- المجموعات المتعاونة:
العمل فى مجموعات صغيرة يساعد على تحسين مهارات التعاون والاتصال بين الطلاب ، ويساعدهم على اكتشاف المشكلة معا ، ويقسمون الى عدة مجموعات تضم كل مجموعة أثنين من المتعلمين أو أكثر ، ويعمل أفراد كل مجموعة على التخطيط لحل المشكلة وتنفيذ هذا الحل .وذلك من خلال مبدأ التفاوض الاجتماعي وقد يتطلب الآمر توزيع الأدوار فيما بينهم .
ويكون دور المعلم فى هذه الخطوه التوجيه والإرشاد، حيث أنه يمر على مجموعات العمل ويوجه بعض المجموعات أحيانا إلى إعادة التقدير والتأمل فيما وصلوا إليه
3- المشاركة:
بعد الانتهاء من المهام داخل المجموعات تبدأ المناقشة ، حيث يعرض طلاب كل مجموعة حلولهم ، والأساليب التى استخدموها وصولاً لتلك الحلول، ثم تدور المناقشات بين المجموعات للوصول لنوع من الاتفاق فيما بينهم ، وهذه المناقشات تعمل على تعميق فهمهم لكل الحلول والأساليب المستخدمة فى الوصول لحل تلك المشكلات، كما تعمل على تعديل تفكيرهم ونموه وتنقيحه ، ونمو التواصل الاجتماعي والمهارات الاجتماعية
وهذا النموذج يناسب مهام التعلم ذات العلاقة بحل المشكلات وخاصة المشكلات مفتوحة النهاية ، وتحتاج الى وقت كافي لممارسة الأنشطة ، كما أنها لم تتضمن مكونا خاصا بعملية التقويم ، ولا تصلح لتدريس حل المشكلات اذا كان فى يد المتعلم كتب تقليدية تقدم حلولا جاهزة لهذه المشكلات .
ثانيا : نموذج دورة التعلم:
يعد هذا النموذج ترجمة لبعض أفكار النظرية البنائية المعرفية فى مجال التدريس. وتمتاز دورة التعلم عن غيرها من الطرق فى أنها تراعى قدرات المتعلم العقلية، وتساعده على التفكير وتشجعه على التعاون والعمل الجماعى . وتسير عملية التدريس بهذا النموذج وفقا لثلاث مراحل أساسية
1-مرحلة الاستكشاف The Exploration Phase
2- مرحلة الإبداع المفاهيمى The Conceptual invention Phase
3- مرحلة الأتساع المفاهيمى The Conceptual expansion Phase
ويمكن التعبير عن مراحل دورة التعلم بالشكل المنظومى التالي:
1- مرحلة الاستكشاف:
تبدأ هذه المرحلة بتفاعل الطلاب مباشرتا مع أحد الخبرات الجديدة ، والتى تثير لديهم تساؤلات قد يصعب عليهم الإجابة عنها ، ومن ثم فهم يقومون بالبحث عن أجابة لتساؤلاتهم من خلال توجيههم إلى بعض الأنشطة الفردية أو الجماعية ، وأثناء عملية البحث هذه قد يكتشفون أشياء أو أفكار أو علاقات لم تكن معروفة لهم من قبل .
ويقتصر دور المعلم فى هذه المرحلة على التوجيه المعقول للطلاب أثناء قيامهم بهذه الأنشطة وتشجيعهم على مواصلة القيام بتلك الأنشطة دون أن يتدخل بشكل كبير فيما يقومون به .
2- مرحلة الإبداع المفاهيمى :
أو مرحلة تقديم المفهوم Concept introduction Phase , وفى هذه المرحلة يزود الطلاب بالمفهوم أو المبدأ المرتبط بالخبرات الجديدة التى صادفتهم فى مرحلة الاستكشاف ، وقد تتم عملية تقديم المفهوم عن طريق المعلم أو الكتاب الدراسي أو فيلم تعليمي … ثم يقود المعلم نقاشا ليوصل الطلاب الى المفهوم موضع الدراسة
ويلاحظ فى دورة التعلم أن البيانات تقود الى المفهوم عكس ما يتم فى التدريس التقليدى حيث يقود المفهوم الى تأ ييد البيانات .
3- مرحلة الأتساع المفاهيمى :
أو مرحلة تطبيق المفهوم Concept Application Phase وفى هذه المرحلة يوجه الطلاب الى مجموعة من الأنشطة المناسبة والتى تعينهم على توسيع المعنى مثل أجراء تجارب معملية اضافية لتطبيق المفهوم، أوالقيام بعرض عملي ، أو القراءة عن موضوعات متعلقة بتطبيق المفهوم … وهذه المرحلة تساعد الطلاب على انتقال أثر التعلم وعلى تعميم خبراتهم السابقة فى مواقف جديدة 0
وفى هذه المرحلة يتيح المعلم الفرصة للطلاب للمناقشة مع بعضهم ويلاحظهم ويساعدهم على التغلب على ما قد يواجههم من صعوبات فى تعلم المفهوم وتطبيق ما تعلموه فى حياتهم العملية 0
ويعد هذا النموذج أحد البدائل الفعاله فى التدريس . وخاصة تلك الموضوعات التى يمكن التخطيط لتدريسها وفق مراحله الثلاث . غير أنه مكلف ويحتاج الى وقت أطول من غيره من الطرق ، كما أنه لم يقدم تصوراً محدداً لعملية التقويم . وعلى من يستخدمه أن يتبنى نظاماً للتقويم يتمشى مع خصائص ذلك النموذج وخصائص المتعلمين به .
ثالثاُ: النموذج المنظومى:
يعتمد بناء التراكيب النظرية لذلك النموذج على ثلاثة مصادر، تتمثل فى نظرية "بياجية" عن علم النفس النمائى، وعلم النفس المعرفى، وكيفية تنظيم المعلومات داخل المخ البشرى. فقد اسهم فكر "بياجية" حول المواءمة وعدم الاتزان فى إرساء معالم ذلك النموذج، فضلاً عما قدمه علم النفس المعرفى حول البنية المعرفية وكيف يحدث لها اعادة تشكيل عن طريق التكيف بين الخبرات السابقة واللاحقة وصولاً لحالة الاتزان المعرفى، ثم كيف تنظم تلك الخبرات داخل المخ البشرى فى صورة شبكية متداخلة. والنموذج المنظومى قائم على الفلسفة البنائية التى تؤكد على أهمية أن يكون التعلم ذا معنى فتعلم شىء جديد او محاولة فهم شىء معروف بعمق اكبر ليست عملية خطية وإنما للوصول إلى ذلك فإن المتعلم يستخدم كل تجاربه ومعارفه السابقة الموجودة فى بنية المعرفية ليمكنه فهم المعارف الجديدة ويتم فى هذا النموذج مساعدة الطلاب على بناء مفاهيمهم ومعارفهم العلمية بصورة منظومية مرتبة وفق ست مراحل أساسية متتالية هى:
1- التعرف على المعلومات السابقة.
2- الاشتراك "الاندماج": Engagement
3- الاستكشاف Exploring
4- تقديم المفهوم "الإيضاح والتفسير" Concept introduction
5- التوسع "التفكير التفصيلى" Elaboration
6- التقويم Evaluation
وفيما يلى وصف تفصيلى لهذه المراحل:
شكل (3) مراحل النموذج المنظومى
1- التعرف على المعلومات السابقة:
يعد التعرف على ما بحوزة المتعلم من معارف سابقة فى بنيته المعرفية حول موضوع الدرس نقطة البدء فى الفكر البنائى، حيث تعطى فكرة عن رؤية المتعلم للعالم من حوله وكيفية تفسيره لإحداثه وسلوكه، ويتم الكشف عن خبرة المتعلم السابقة بعدة طرق منها المناقشة، أو المقابلات الشخصية، أو كتابة تقرير، أو عمل خريطة مفاهيم، او منظومة،... ثم ترتب المعارف السابقة للمتعلم حول الموضوع فى صورة منظومات معرفية أو أفكار ومفاهيم ، من خلال مخطط منظومى كلى، معد للمقرر وربطها بالمعارف الجديدة منظومياً. مما يسهل دخولها بسهولة فى البنية المعرفية للمتعلم "انظر شكل (4)".
والغرض من تنشيط منظومة المعارف السابقة لدى المتعلم تنشيط الذاكرة واستدعاء ما يختص منها بالخبرة او الموقف الجديد.
2- الاشتراك "الاندماج"
وفى هذه المرحلة يقوم المعلم بحث الطلاب على البحث عن المعلومات والمفاهيم الجديدة، باستخدام الأفكار المماثلة فى الذاكرة، وعبر ملاحظة مظاهر الموقف وباستخدام الدرس وتشويق الطلبة وشد انتباههم وإثارة دافعيتهم لاشتراكهم فى التفكير فى الموضوع المثار فى الدرس. ويواجه المعلم الطلاب حيث يقومون بتحديد المهام التعليمية، ووضع الروابط بين الخبرات التعليمية السابقة والحالية، وكذلك تحديد الأنشطة الأساسية المرتبطة بالموضوع. وفى هذه المرحلة يتفاعل الطلاب مع الخبرات الجديدة، حيث تثير لديهم تساؤلات عديدة قد يصعب عليهم الإجابة عنها بما هو متوافر لديهم من معارف فى بنيتهم المعرفية، ومن ثم فهم يقومون بالبحث عن إجابات لتساؤلاتهم من خلال توجيههم إلى بعض الأنشطة الفردية او الجماعية. وبذلك فإن الطلاب فى هذه المرحلة يتم توجيه انتباههم نحو المعرفة الجديدة، وذلك من خلال مساعدتهم على توجيه الأسئلة وتحديد المشكلات ورؤية الأحداث وكيفية التفاعل معها وتمثيل موقف مشكل... الخ.
3- الاستكشاف:
يقوم الطلاب فى هذه المرحلة بالتفاعل مع واحدة من الخبرات او المعلومات الجديدة عن طريق القيام بالعديد من التجارب والأنشطة للإجابة عن تساؤلاتهم، وأثناء ذلك قد يكتشفون أشياء أو أفكار أو علاقات لم تكن معروفة لهم من قبل. كما ان هذه الأنشطة تساعد الطلاب على ايجاد حالة من المعالجة العميقة للمعلومات والمفاهيم، وفهم المعارف الجديدة واستيعابها وهضمها، وذلك عن طريق استخلاص اكثر من علاقة تربط بين ما يوجد لديهم من مفاهيم سابقة والمفاهيم الجديدة المتعلمة. ويقوم الطلاب بالتجارب والأنشطة من خلال العمل فى مجموعات، مما ينمى لديهم مهارات التعاون والمشاركة والاتصال.
ويقتصر دور المعلم فى هذه المرحلة على تزويد الطلاب بالمواد اللازمة وتوجيههم التوجيه المعقول أثناء قيامهم بهذه الأنشطة، وتشجيعهم على مواصلة القيام بتلك الأنشطة دون أن يتدخل بشكل كبير فيما يقومون به. وبذلك يكتشف الطلاب المعلومة بأنفسهم متبعين تعليمات المعلم التى يجب أن تصمم بحيث تولد تناقضات عديدة بين توقعات الطلاب وما يتوصلون إليه من بيانات.
4- تقديم المفهوم "الإيضاح والتفسير":
يصل المتعلم فى هذه المرحلة الى المفهوم او المبدأ المرتبط بالخبرات الجديدة التى تم التوصل اليها فى المرحلة السابقة. حيث يسمح لكل مجموعة من المجموعات عرض ما تم التوصل اليه او اكتشافه مع الزملاء، ويعرضون الحلول التى توصلوا إليها، وكذلك الأساليب التى استخدموها للوصول إلى هذه الحلول. وفى هذه المرحلة يكتسب المتعلمون العديد من مهارات الاتصال، حيث يشرح كل متعلم المعرفة التى تم التوصل إليها، والأسئلة التى كانت محل اهتمامه والفروض التى بحث عنها. كما يكتسبون العديد من مهارات المشاركة والتعاون وتحمل المسئولية للوصول إلى النتائج المرغوبة وذلك أثناء قيامهم بالأنشطة.
وقد يقود المعلم المناقشات حتى يتوصل الطلاب إلى المفهوم موضوع الدراسة، والمعلم هنا لايذكر المفهوم للطلاب، وإنما يعطى لهم الصياغة العلمية المناسبة - فحسب أو يذكر لهم المصطلح العلمى للمفهوم.
وفى حالة ما إذا لم يتمكن المتعلمون من الوصول بأنفسهم إلى المفاهيم والمبادئ ذات العلاقة بخبراتهم الحسية فى مرحلة الاستكشاف، فإن المعلم فى هذه الحالة يضطر إلى تزويد المتعلمين مباشرة بهذا المفهوم سواء من خلال الشرح الشفهى، او من خلال إحالتهم إلى الكتب و المراجع او فيلم تعليمى او الى غير ذلك من مصادر المعرفة المباشرة ثم يكلف الطلاب بعمل مخططات منظومية كل على حدة، لبيان مدى فهمهم للموضوع ولأنواع العلاقات المختلفة للمعارف كما يدركها كل طالب فى بنيته المعرفية .
5- التوسع "التفكير التفصيلى":
فى هذه المرحلة يوجه المعلم الطلاب الى مجموعة من الأنشطة المناسبة، والتى تعينهم على توسع المعنى مثل اجراء تجارب معملية اضافية لتطبيق المفهوم، او القيام بعرض عملى، او توجيه الطلاب الى قراءة موضوع متعلق بتطبيق المفهوم... "وهذه الخطوة تساعد الطلاب على ترسيخ معنى المفهوم فيتناولون الموضوع من كافة جوانبه ويتسع مدى فهمهم له وفهم علاقته بالمفاهيم الأخرى. وبعبارة أخرى هذه المرحلة تساعد الطلاب فى التعرف على مدى قدرتهم على استعمال المعرفة الجديدة فى مواقف تعليمية جديدة. اى تطبيق المعارف التى تمت دراستها فى مواقف الحياة المختلفة. اى اختبار قدرة المتعلم على تذكر المعلومات، واسترجاعها، وفهمها، وتطبيقها، وتحليلها، وأدراك العلاقات التىتربط بينها، ثم استنتاجها، وتركيبها وتقويمها كما تساعدهم على التفكير المرن والتفكير الأكثر أصالة والتفكير المنظومى، كما تسمح لهم بالشجاعة فى التفكير " المخاطرة" والتمثيل الذى يعتبر من مهارات التفكير العليا.
6- التقويم:
يتم التقويم أثناء العملية التعليمية كلها، مما يمكن المعلم من معرفة مدى ما اكتسبه المتعلم من خبرات، وتحديد اوجه القصور لتجنبها. ويستخدم المعلم العديد من الأساليب مثل التقويم بملفات عمل الطالب (Portfolios Assessment) وتقويم الآداء (Performance Assessment) بما يشمله من قوائم التقدير (Check Lists) والموازين المتدرجة للتقدير (Rating Scales) والمعدلات الكلية (Holistic Scoring) والمقابلات الشخصية (Interviews) والمشروعات وغيرها من الشواهد الملموسة عن مدى التقدم الفعلى لعملية التعلم. وقد يكون التقويم نقطة بداية لإثراء تعلم الطلاب، كما يساعد المعلم فى إعداد الدروس وقد يكون مؤشراً لحتمية التطوير.
أن النظر إلى التقويم بوصفه عملية مستمرة يجعل من النموذج المنظومى نظاماً دائرياً. وتكون عملية التعلم نفسها مفتوحة النهاية حيث تؤدى الأسئلة إلى إجابات والإجابات إلى أسئلة جديدة وهكذا. ويمتاز هذا النموذج عن غيره من النماذج فى عدة جوانب لعل من اهمها انه:
- يقدم العلم كطريقة بحث، ويساعد المتعلم على التفكير التفصيلى والتوسعى وبالتالى يسمح للطلاب بالتفكير المرن والتفكير المنظومى من خلال قيامه بالعديد من التجارب والانشطة، مما يساعده على التعلم القائم على المعنى.
- يجمع بين بيئات التعلم البنائى فهو يشتمل على بيئات التعلم التعاونى وبيئات التعلم المعرفية المرنة، فضلاً عن سيقات التعرف الموقفى فى عالم حقيقى او ما يسمى بالتعلم الموقفى Situation learning
- يعتبر شاملاً لعدة خطوات تعتمد على مهارات التفكير العليا والتعلم القائم على المعنى مثل الاستكشاف والتفسير والتوسع والتقويم... وكلها عمليات تعلم ضرورية للتوصل إلى المعنى ويمكن ان يساهم فى تصحيح التصورات البديلة عند الطلاب وتحقق منظومة الأهداف التعليمية بوجه عام.
- يركز على التفاعل بين الطلاب والمعلم والمهام التعليمية من خلال اسلوب التعلم التعاونى وإثارة الاستقصاء والمناقشة وبناء المعرفة للتوصل الى زيادة الاستيعاب المفاهيمى.
- يقوم على الشرح والتفسير والمناقشة من خلال المجموعات وبعضها وبينها وبين المعلم مما يساعد على الفهم العميق للمفاهيم ويؤدى الى زيادة التعلم القائم على المعنى.
- يزود الطلاب بوسائل التقويم المختلفة من خلال مرحلة التقويم وذلك باستخدام اختبارات مقننة.
- ينمى مهارات الاتصال الجماعى بين الطلاب ويشجعهم على التعاون والعمل الجماعى.
- يحقق اعلى درجات التعلم ويزيد من فعاليته واستمراريته، حيث ان المتعلم عندما يرى المخطط المنظومى الشامل للوحدة او للدرس - وهو فى اول مراحل التعلم - سوف يزيد من دافعيته للتعلم والاستمرار فيه، حيث انه فى كل مرحلة من مراحل التعلم يعرف ما تعلمه بالفعل وما يتعلمه الآن وما سوف يتعلمه فى ضوء الأهداف المعطاة. كما هو مبين فى الشكل المنظومى التالى:
شكل (5): الفكرة المنظومية فى التدريس والتعلم
- رؤية الهدف النهائى يكون بمثابة المعزز الذى يدفع المتعلم ويحثه على التعلم ويشعره بالثقة بنفسه وقدراته. فالمتعلم يكون هنا واعياً منذ البداية بالهدف النهائى المراد تحقيقه، كما انه يكون واعياً فى كل خطوة من خطوات التدريس بما سبق دراسته وما يقوم بدراسته، وما الجزء المتبقى للوصول الى الهدف النهائى "المنظومة الكلية".
المراجــــــع:
1- حسن حسين زيتون، كمال عبد الحميد زيتون (2003): التعلم والتدريس من منظور النظرية البنائية، عالم الكتب.
2- خليل يوسف الخليلى وأخرون (1996): تدريس العلوم فى مراحل التعليم العام، دبى، دار القلم.
3- فاروق فهمى، جو لاجوسكى (2000): الاتجاه المنظومى فى التدريس والتعلم للقرن الحادى والعشرين، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع.
4- فاروق فهمى، منى عبدالصبور (2001): المدخل المنظومى فى مواجهة التحديات التربوية المعاصرة والمستقبلية، دار المعارف.
6- Baker, D. R. & Piburn, M. D. (1997): Constructing Science in Middle and Secondary School Classrooms, Boston, London, Allyn and Bacon.
7- Carin, A. A. (1997): Teaching Modern Science, Seventh Edition, Upper Saddle River, New Jersey, Prentice -Hall, I
الخميس مايو 09, 2013 10:32 pm من طرف قداري محمد
» استخدام طريقة العروض العملية في تدريس العلوم
الخميس أبريل 18, 2013 10:26 am من طرف قداري محمد
» Ten ways to improve Education
الخميس فبراير 21, 2013 8:44 am من طرف بشير.الحكيمي
» مقتطفات من تصميم وحدة الإحصاء في الرياضيات
الثلاثاء يناير 29, 2013 8:30 am من طرف بشير.الحكيمي
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء يناير 02, 2013 7:49 am من طرف انور..الوحش
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء ديسمبر 19, 2012 10:00 am من طرف محمدعبده العواضي
» الواجبات خلال الترم 5
السبت أكتوبر 06, 2012 11:12 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم4
السبت أكتوبر 06, 2012 11:11 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم3
السبت أكتوبر 06, 2012 11:10 pm من طرف بشرى الأغبري