التنمية المتواصلة :

التنمية المتواصلة : المفاهيم والمستلزمات


الخلاصة :
ظهر مصطلح التنمية المتواصلة في سبعينيات القرن العشرين ؛ ليعبر عن ضرورة التزام التنمية الاقتصادية بالحفاظ على البيئة، ومنذ ظهوره لم تعد المساهمات في مجال التنمية الاقتصادية قاصرة على الاقتصاديين. ولم يكن لكثرة المساهمات التي تعددت من قبل الاقتصاديين ، ودعاة حماية البيئة ، ورجال السياسة والاجتماع فضل في تحديد مفهوم التنمية المتواصلة ، بقدر ما جعلته أقرب إلى الشعارات العامة. ولقد ظهر فيما بعد من المفاهيم ما هو أكثر قبولاً ، حيث يؤكد على ضرورة الاهتمام بالتنمية البشرية ، وإزالة الفقر ، خاصة مع المحافظة على الموارد البيئية.
ومن منظور اقتصادي إسلامي لابد من فحص للمصطلح الجديد والمفاهيم الوضعية المختلفة قبل أن نقبل البعض منها أو نرفضه أو نجرى تعديلا فيه. ويتبين من المقال أن إرفاق مفهوم التواصل بالتنمية في الفكر الوضعي قد فتح عموما نوعا من التقارب مع الفكر الإسلامي. ففي الحقيقة أن الأدبيات الإسلامية في مجال التنمية الاقتصادية قد أظهرت منذ ظهورها اهتماما بالعوامل غير الاقتصادية ، وعلى رأسها ومن بينها الاهتمام بالبشر وإزالة الفقر ، بالإضافة إلى الرشد الحقيقي في الاستهلاك واستخدام الموارد البيئية التي جعلها الله - عز وجل - أمانة في عنق الإنسان. ويستعرض المقال الأدلة المختلفة التي تؤكد على أن مفهوم المحافظة على الموارد البيئية موجود لدى علماء المسلمين ، وفي التجربة الإسلامية التاريخية جنبا إلى جنب مع مفهوم التنمية البشرية ، وذلك في إطار الشريعة والقيم العقدية الإسلامية.
ويجرى عرض هذه الأدلة المختلفة مع تمييزها أو مقارنتها بما يعرضه الفكر الوضعي المعاصر لبيان تفوق الفكر الإسلامي أو أوجه التقارب بينه وبين الفكر الوضعي في بعض حالات.ويناقش المقال مستلزمات التنمية المتواصلة والإسهامات التي يقدمها الاقتصاديون الوضعيون المعاصرون في هذا المجال مقارنة بما يمكن أن يقدمه الفكر الإسلامي من إسهامات، وأن هناك فرصة حقيقية كبيرة في أن يستفيد الوضعيون من هذا الأخير. وهكذا يتبين من المقال أن المفهوم الإسلامي للتنمية ، سواء قبل ظهور مفهوم التنمية المتواصلة أو بعده يستوعب ما يتحدث عنه المفكرون الوضعيون المعاصرون من أهداف مُثْلَى ويزيد عليها بكثير. والأهم من ذلك أن لدينا في الإسلام منهجا ودوافع للتنمية قائمة على شريعة وعقيدة قويمة بما يكفل استمرار قوة الدافع الذاتي للتنمية البشرية والبيئية في إطار توازن المادة والروح.