التدخل المهني لعلاج المشكلات النفسية/الاجتماعية التي تواجه الفرد
يتضمن التدخل المهني لعلاج المشكلات الفردية أو النفسية/الاجتماعية في التصور التقليدي للخدمة الاجتماعية جانبين أساسيين يترابطان فيما بينهما أشد الترابط وهما:
1- تقدير الموقف أو الحاجة أو المشكلة أو السلوك Assessment في ضوء افتراضاتنا الأساسية حول الطبيعة الإنسانية ، وفي ضوء النظريات المفسرة للسلوك الإنساني في محيطه الاجتماعي ، وفي ضوء فهمنا للأسباب العامة لتلك المشكلات ، واسترشادا بالنسق القيمي للمجتمع وأهدافه العامة ، ويتضمن ذلك:
أ- جمع البيانات الدقيقة حول الوضع الراهن الذي يعايشه العميل بدءا من وصف الشخصية ... إلى مسح الظروف البيئية .. إلى توصيف طبيعة العلاقات بين الشخص والبيئة في الوقت الحاضر.
ب- مقارنة الوضع الراهن بالسمات المعيارية التي تحدد ما هو "طبيعي" أو "سوى" بالنسبة لمن هم في مثل خصائصه الديموجرافية في ضوء النظرية (أو النظريات ) المعتمدة .
ج- الانتهاء بتحديد مناطق أو مواضع الافتراق عن النمط المعياري ، ومضاهاتها بمتلازمات الأعراض Syndromes التي تتضمنها نظرية الممارسة Practice Theory .
2- التدخل المهني Intervention الذي يستهدف إحداث تأثيرات محددة، باستخدام الوسائل والأدوات المناسبة ، في ضوء تقدير الموقف ، وفي إطار النظريات العلمية والنسق القيمي والفلسفة العامة للمهنة والمجتمع.
ومن الواضح أن هذه المهام تنطلق من النموذج العام لحل-المشكلات Problem-solving في ضوء الدراسة المنظمة للموقف ، وأنها مصاغة بشكل عام يسمح بتطبيقها بشكل مرن في ضوء الأطر الثقافية والدينية للمجتمع ، إدراكا من المنظرين للاختلاف والتنوع الشديد بين المجتمعات في هذا الصدد ، ومن هنا فإن "بنية" هذا النموذج تسمح بشكل كبير بتحميله من الداخل "بالمحتوى" النظري والقيمي الملائم للمجتمع المعين الذي تتم الممارسة في إطاره… وفي ضوء ذلك فإن من الممكن استخدام التصور الإسلامي بسهولة ويسر لكي يكون نقطة الانطلاق في هذا النموذج دون أي تعسف ، كما أننا لسنا في الواقع بأي حاجة إلى إجراء أي تعديلات جوهرية عليه من هذه الناحية (بنية النموذج) وإن كنا بحاجة لإعادة نظر شاملة في "المحتوى" الشائع في الكتابات التقليدية عند غيرنا.
محتوى عملية تقدير الموقف في المنظور التقليدي:
محور الاهتمام فيما يتصل بحل المشكلات الشخصية أو النفسية/الاجتماعية هو " العلاقات الاجتماعية" أو "التفاعلات التي تتم بين الناس وبيئاتهم " أو "أداء الوظائف الاجتماعية"، حيث ينصب الاهتمام على تحسين قدرة الناس على القيام بمطالب حياتهم ، والمساعدة على تخفيف مشكلاتهم وكروبهم ، ومساعدتهم على تحقيق آمالهم الفردية والجمعية . وقد بذل الكثيرون من المنظرين جهودا لتحديد ماهية تلك الصعوبات والمشكلات والحاجات التي تتدخل الخدمة الاجتماعية للمعاونة في مواجهتها، فرأى البعض أن مشكلات العملاء إنما تدور حول أداء الأدوار Role Performance وخصوصا فيما يتصل بما يلي:
1- قصور أو نقص الإمكانات المادية ، سواء منها ما اتصل بضعف في القدرات الشخصية الذي يعوق أداء الأدوار ، أو ما اتصل بنقص في المعرفة والتدريب والإعداد .
2- اضطرابات الشخصية.
3- تناقض متطلبات الأدوار الاجتماعية ، كعدم القدرة على التوفيق بين عدد من الأدوار المهمة ، أو عدم القدرة على الارتفاع إلى مستوى توقعات الآخرين ، أو غموض توقعات الأدوار وتناقضها.
وقد قدم آخرون تصنيفا للمشكلات التي تتصدى لها الممارسة ،يقوم عل أساس النظر للمشكلات على أنها في جوهرها تمثل " رغبات غير مشبعة" ، وفي ضوء ذلك يمكن تقسيم هذه المشكلات إلى الفئات الآتية :
1- الصراع في العلاقات الشخصية بين الأفراد. 2- مشكلات في العلاقات مع المنظمات الرسمية
3- صعوبات في أداء الأدوار الاجتماعية . 4- صعوبات في اتخاذ قرارات هامة.
5- اضطرابات انفعالية نشأت كردود أفعال لمواقف صعبة . 6- نقص الموارد .
7- اضطرابات نفسية وسلوكية أخرى .
والمتأمل للطريقة التي ينظر بها الأخصائيون الاجتماعيون لمشكلات العملاء - والتي في ضوئها يتم التدخل المهني للخدمة الاجتماعية في المجتمعات المعاصرة - سرعان ما يتبين له أن محور الاهتمام فيهما جميعا يدور حول أمرين أساسيين:
أ- إشباع الحاجات الدنيوية.
ب- مواجهة ما يرتبط بنقص الإشباع من صعوبات في العلاقات مع الآخرين - أيضا في نطاق هذه الحياة الدنيا - أو ما يرتبط بهذا كله من اضطرابات في النفوس والعقول تنغص على الناس عيشهم .
ولا يجادل إلا مكابر في أهمية العوامل المذكورة ، فهي تتصل اتصالا مباشرا بنوعية الحياة والمعاناة اليومية للناس ، وهي تستحق أن يبذل الأخصائيون الاجتماعيون وغيرهم من المهنيين المتعاونين معهم جهودهم للمساعدة على مواجهتها ، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة هنا - في ضوء ما تعرضنا له فيما سبق - هي:
1- هل يمكن فهم مشكلات العملاء - حتى ما اتصل منها بإشباع الحاجات المادية والدنيوية بصفة عامة - دون دراسة مدى تأثرها بالجوانب الروحية المتصلة بصلة الإنسان بربه؟
2- هل يمكن أن يبنى التدخل المهني لمساعدة العملاء على مواجهة تلك المشكلات الدنيوية ذاتها مع الإصرار على إغفال تلك العوامل الروحية؟
3- وحتى لو سلمنا جدلا بأن بالإمكان فهم تلك المشكلات الدنيوية والمساعدة على حلها مع إغفال العوامل الروحية ، فأي نوع من المعونة تلك التي نقدمها للناس والتي تأخذ بأيدي العملاء في سعيهم لتجاوز عقبات تافهة تعترض دنياهم الزائلة ولا تأخذ بحجزتهم عن الوقوع فيما يؤدى إلى غضب الله وعقابه الأليم في دار الخلود والبقاء ؟
"محتوى" عملية تقدير الموقف في التصور الإسلامي :
لقد تبين لنا من استعراض أنواع الصعوبات والمشكلات والحاجات والمواقف التي تتدخل الخدمة الاجتماعية لمواجهتها في المنظور الغربي الحديث أن هذه المواقف تتمثل عندهم أساسا في نقص إشباع الحاجات المادية والنفسية والاجتماعية ، أو في معاناة صعوبات في العلاقات الاجتماعية ، أو في وجود مشكلات تتصل بأداء الوظائف الاجتماعية ، أو في ظهور مشكلات انفعالية متصلة بهذه المواقف أو بعضها . وقد انتهينا إلى أن هذه المشكلات أو المواقف التي تتطلب التدخل جميعا إنما تتوقف في المنظور الغربي عند حدود هذه الحياة الدنيا من جهة ، كما أنها تفرغها - حتى في نطاق هذه الحياة الدنيا - من أي محتوى روحي يتعلق بصلة العميل بربه .
ولكننا قد انتهينا أيضا فيما سبق إلى أنه لا يمكن فهم هذه المشكلات والصعوبات بالاقتصار على دراسة الحاجات الدنيوية وحدها - أشبعت أو لم تشبع - وإنما يكون هذا الفهم ممكنا إذا استطعنا أولا وقبل كل شىء أن نتعرف على " نوع صلة الإنسان بربه" المبنية على مفهوم " الشعور بالافتقار إلى الله سبحانه وتعالي " باعتبار أن هذا الشعور يكون أساسا لارتباط الإنسان بخالقه ورازقه ، على أساس أن رضاء الله سبحانه وتعالي عن العبد فيه كفالة إشباع كل تلك الحاجات الدنيوية (إن شاء الله ذلك ، وهو أعلم بعباده وبما يصلحهم ) إضافة إلى تحقيق النجاة والفوز العظيم في الحياة الآخرة ، ولكننا توصلنا أيضا إلى أنه لا يجوز - في المنظور الإسلامي - إغفال إشباع الحاجات الدنيوية (المادية والنفسية والاجتماعية ) وإن كان إشباعها ينبغي أن يكون إشباعا متوازنا لا يجعل منها أبدا هدفا في ذاتها ، بحيث لا تكون أكبر هم العبد ولا تكون مبلغ علمه.
وبهذا فقد انتهينا إلى أن المنظور الإسلامي يستوعب الاهتمامات والحاجات الدنيوية للإنسان التي أسرف المنظور الغربي في التركيز عليها ، ولكنه يقدرها حق قدرها دون زيادة أو نقصان ، ثم يضعها في موضعها الصحيح من حاجات الإنسان في الدنيا (المتضمنة لأشواقه الروحية ) ومن حاجاته المتصلة بالحياة الأخرى .
وبناء على ما تقدم فإن عملية تقدير الموقف - في المنظور الإسلامي - ينبغي دون شك أن تتضمن دراسة ما يتصل بالحاجات الدنيوية(المادية والنفسية والاجتماعية ) غير المشبعة ، ولكنها أيضا ينبغي أن تتضمن قبل هذا وبعده تقدير الموقف أيضا فيما يتعلق "بنوع صلة العميل بربه" سواء من النواحي المعرفية المتعلقة بصحة الاعتقاد والسلامة من البدعيات والشركيات ، أو من النواحي القلبية الوجدانية أو السلوكية التعبدية بالمعنى الضيق للعبادات وبالمعنى الواسع " للعبادة" الذي يشمل طاعة الله فيما أمر ونهي في كل جوانب الحياة.
وقد يبدو هذا المطلب غريبا في عيوننا التي عاشت طويلا في رحاب - أقصد في ضيق -منطلقات البحث الإمبيريقية (التي تقتصر على دراسة ما هو محسوس) التي تحصر الدراسة "العلمية " في نطاق السلوك "الموضوعي" الظاهر على الوجه الذي وصل إلينا من الغرب العلماني ، ولكن عجبنا قد يزول عندما نرى أن بعض كبار رجال الخدمة الاجتماعية الغربيين أنفسهم قد بدأوا في المطالبة بالاهتمام بالنواحي الروحية والأخلاقية عند تقدير الموقف ودراسة العميل وبيئته.
حيث دعا بعضهم إلى توسيع نطاق مفهوم الشخص-في-البيئة Person-in-the-Environment الذي يعتبر محور ارتكاز الخدمة الاجتماعية لكي يشمل ليس فقط “ دراسة علاقات العميل مع البيئة الاجتماعية ، وإنما أيضا مع العالم فوق-الإنساني ، أو مع "الحقيقة المطلقة" ، كما يطالبون بضرورة التوصل إلى معايير لتقدير درجة الارتقاء الروحي والأخلاقي للعميل Moral and Spiritual development بل إن بعضهم قد اقترح بالفعل بعض المعايير التي يرى أنها تصلح مبدئيا لتقييم أو قياس درجة الارتقاء الروحي للعملاء مثل:
أ- درجة رضاء العميل عن حياته.
ب- درجة الاهتمام والحدب التي تشيع في علاقات العميل مع الآخرين .
ج- القدرة على إدراك المعاني الأخلاقية السامية "في المواقف المعقدة".
د- الاستعداد لتقبل فكرة حتمية الموت والمرض وما يشابهها مما يتحدى شعور الإنسان بمعنى الحياة وهدفها.
وعلى أي حال فلا شك أننا مطالبون ببذل جهود كبيرة لبلورة أدوات تصلح لقياس مثل هذه المفاهيم لاستخدامها في تقدير موقف العملاء من الناحية الروحية أو الدينية ، والواقع أنه لا يبدو أن هناك ما يمنع من استخدام اصطلاح " مستوى التدين" أو اصطلاح " درجة الارتقاء الروحي" للتعبير عن فكرة " نوع صلة العميل بالله سبحانه وتعالي" التي تعنينا في تقدير موقف العميل والتي -في التصور الإسلامي - تتضمن كما أسلفنا العناصر التالية :
1- المعرفة بالله والاعتقاد بوحدانيته وبكمال هيمنته على كل ما في الوجود.
2- هيمنة تلك المعرفة على القلب بما يحييه ، وعلى الوجدان بما يسخره ليسير طائعا وفقا لمقتضيات هذه المعرفة وذلك الاعتقاد .
3- تقوى الله سبحانه وتعالي ، الناشئة عن حياة القلب وتسخير الوجدان ، والتي تنعكس في صورة طاعات وأعمال صالحات .
وإذن فإننا نتوقع أن تتسم عملية تقدير الموقف في التصور الإسلامي بالشمول ، فتضم ما يتصل بالحاجات الدنيوية المادية كما تضم ما يتعلق بالنواحي الروحية المتصلة بصلة العميل بربه ، ومن الطبيعي أننا لن نركز هنا على تفصيلات ما يتعلق بالنوع الأول من الحاجات (الدنيوية والمادية والنفسية والاجتماعية ) على اعتبار أن المراجع التقليدية تفيض بها ، ولكننا سنركز بدلا من ذلك على النوع الثاني (المتصل بالحاجات الروحية ) وبالتفاعل بينهما .
وفي هذا المقام فإننا نتوقع أن تنتهي نتيجة عملية تقدير الموقف بالنسبة للعملاء إلى ظهور واحدة من الحالات الثلاثة الآتية:
الحالة الأولى : أن يكون العميل صحيح الاعتقاد (مقيما على التوحيد الخالص بريئا من الشركيات والبدعيات) ، وأن يكون هذا الاعتقاد الصحيح عميقا بدرجة يهيمن معها على القلب والوجدان ، ويكون مقترنا بسلامة الفطرة ونقائها ، وهنا فإننا نتوقع أن يكون السلوك في جملته مطابقا للشرع ، مستهدفا ما يرضى الله سبحانه وتعالي ، كما نتوقع أن مثل هذا الشخص إذا ابتُلى بشيء من الخوف أو الجوع أو بنقص في الأموال والأنفس والثمرات فإنه يكون من الصابرين المحتسبين الطامعين في حسن العِوض من الله في الدنيا ، الموقنين بحسن الجزاء في الآخرة ، ويترتب على ذلك أن يكون سعيه لمواجهة أي مشكلات تصادفه سعيا متزنا غير مشوب بالجزع أو الفزع أو الخوف أو الاضطراب ، وأما إذا ابتلى مثل هذا الشخص بفتنة الوفرة في النعم والخيرات فإن هذا لن يؤدى به إلى الطغيان أو التجاوز أو الوقوع في المحظورات (اللهم اجعلنا من هؤلاء بفضلك ورحمتك).
الحالة الثانية: أن يكون العميل صحيح الاعتقاد أيضا ، ولكن هذا الاعتقاد الصحيح لا أثر له على القلب والوجدان ، بمعنى أن الشخص يواجه حالة من عدم الارتباط بين الفكر والعاطفة ، فأقواله تعبر عن اعتقادات صحيحة ، ولكن هذه الأقوال لاتصل إلى تحريك القلب و الوجدان ، مما يعنى عجز هذا النوع من الاعتقاد عن جمع الهمة بالقوة الكافية في اتجاه فعل المأمورات واجتناب المحظورات ، وهنا فإننا سنلاحظ اضطرابا في السلوك ، لأن مداخل الشيطان على مثل هذا الشخص تكون كثيرة ، وميله مع ما تهوى النفس شديدا ، فنجد العميل يخلط عملا صالحا وآخر سيئا ، وبالتالي فإن استجاباته عندما يواجه الابتلاء بالشر أو الابتلاء بالخير تتفاوت تفاوتا كبيرا.
الحالة الثالثة : أن يكون العميل سقيم الاعتقاد ، يختلط التوحيد عنده ببعض الشركيات أو البدعيات، وهنا فإننا نتوقع أن يكون مثل هذا الشخص مصابا بأمراض القلوب التي وصفها الكثيرون من أهل العلم ، سواء منها ما كان من أمراض الشبهات أو أمراض الشهوات ، فثقة مثل هذا العميل في الله وصدق التوكل عليه تكون محل نظر شديد ، كما أن احتمالات انخراطه في التجاوزات في إشباع الشهوات تكون كبيرة ، ومن هنا يكون الخذلان نصيبه ، فتجده يصاب بالهلع والجزع الشديد عند الابتلاء بالنقص كما يصاب بالشح والطغيان أن رآه استغنى ، وفي كل الأحوال فهو مصدر للمشكلات لنفسه ولغيره .
والآن ما هي الاستراتيجية العامة والأدوات والأساليب الفنية التي ينبغي أن يستخدمها المعالج أو الأخصائي الاجتماعي المسلم للتدخل المهني لمساعدة العملاء الذين يقعون في كل فئة من الفئات السابقة؟
يتضمن التدخل المهني لعلاج المشكلات الفردية أو النفسية/الاجتماعية في التصور التقليدي للخدمة الاجتماعية جانبين أساسيين يترابطان فيما بينهما أشد الترابط وهما:
1- تقدير الموقف أو الحاجة أو المشكلة أو السلوك Assessment في ضوء افتراضاتنا الأساسية حول الطبيعة الإنسانية ، وفي ضوء النظريات المفسرة للسلوك الإنساني في محيطه الاجتماعي ، وفي ضوء فهمنا للأسباب العامة لتلك المشكلات ، واسترشادا بالنسق القيمي للمجتمع وأهدافه العامة ، ويتضمن ذلك:
أ- جمع البيانات الدقيقة حول الوضع الراهن الذي يعايشه العميل بدءا من وصف الشخصية ... إلى مسح الظروف البيئية .. إلى توصيف طبيعة العلاقات بين الشخص والبيئة في الوقت الحاضر.
ب- مقارنة الوضع الراهن بالسمات المعيارية التي تحدد ما هو "طبيعي" أو "سوى" بالنسبة لمن هم في مثل خصائصه الديموجرافية في ضوء النظرية (أو النظريات ) المعتمدة .
ج- الانتهاء بتحديد مناطق أو مواضع الافتراق عن النمط المعياري ، ومضاهاتها بمتلازمات الأعراض Syndromes التي تتضمنها نظرية الممارسة Practice Theory .
2- التدخل المهني Intervention الذي يستهدف إحداث تأثيرات محددة، باستخدام الوسائل والأدوات المناسبة ، في ضوء تقدير الموقف ، وفي إطار النظريات العلمية والنسق القيمي والفلسفة العامة للمهنة والمجتمع.
ومن الواضح أن هذه المهام تنطلق من النموذج العام لحل-المشكلات Problem-solving في ضوء الدراسة المنظمة للموقف ، وأنها مصاغة بشكل عام يسمح بتطبيقها بشكل مرن في ضوء الأطر الثقافية والدينية للمجتمع ، إدراكا من المنظرين للاختلاف والتنوع الشديد بين المجتمعات في هذا الصدد ، ومن هنا فإن "بنية" هذا النموذج تسمح بشكل كبير بتحميله من الداخل "بالمحتوى" النظري والقيمي الملائم للمجتمع المعين الذي تتم الممارسة في إطاره… وفي ضوء ذلك فإن من الممكن استخدام التصور الإسلامي بسهولة ويسر لكي يكون نقطة الانطلاق في هذا النموذج دون أي تعسف ، كما أننا لسنا في الواقع بأي حاجة إلى إجراء أي تعديلات جوهرية عليه من هذه الناحية (بنية النموذج) وإن كنا بحاجة لإعادة نظر شاملة في "المحتوى" الشائع في الكتابات التقليدية عند غيرنا.
محتوى عملية تقدير الموقف في المنظور التقليدي:
محور الاهتمام فيما يتصل بحل المشكلات الشخصية أو النفسية/الاجتماعية هو " العلاقات الاجتماعية" أو "التفاعلات التي تتم بين الناس وبيئاتهم " أو "أداء الوظائف الاجتماعية"، حيث ينصب الاهتمام على تحسين قدرة الناس على القيام بمطالب حياتهم ، والمساعدة على تخفيف مشكلاتهم وكروبهم ، ومساعدتهم على تحقيق آمالهم الفردية والجمعية . وقد بذل الكثيرون من المنظرين جهودا لتحديد ماهية تلك الصعوبات والمشكلات والحاجات التي تتدخل الخدمة الاجتماعية للمعاونة في مواجهتها، فرأى البعض أن مشكلات العملاء إنما تدور حول أداء الأدوار Role Performance وخصوصا فيما يتصل بما يلي:
1- قصور أو نقص الإمكانات المادية ، سواء منها ما اتصل بضعف في القدرات الشخصية الذي يعوق أداء الأدوار ، أو ما اتصل بنقص في المعرفة والتدريب والإعداد .
2- اضطرابات الشخصية.
3- تناقض متطلبات الأدوار الاجتماعية ، كعدم القدرة على التوفيق بين عدد من الأدوار المهمة ، أو عدم القدرة على الارتفاع إلى مستوى توقعات الآخرين ، أو غموض توقعات الأدوار وتناقضها.
وقد قدم آخرون تصنيفا للمشكلات التي تتصدى لها الممارسة ،يقوم عل أساس النظر للمشكلات على أنها في جوهرها تمثل " رغبات غير مشبعة" ، وفي ضوء ذلك يمكن تقسيم هذه المشكلات إلى الفئات الآتية :
1- الصراع في العلاقات الشخصية بين الأفراد. 2- مشكلات في العلاقات مع المنظمات الرسمية
3- صعوبات في أداء الأدوار الاجتماعية . 4- صعوبات في اتخاذ قرارات هامة.
5- اضطرابات انفعالية نشأت كردود أفعال لمواقف صعبة . 6- نقص الموارد .
7- اضطرابات نفسية وسلوكية أخرى .
والمتأمل للطريقة التي ينظر بها الأخصائيون الاجتماعيون لمشكلات العملاء - والتي في ضوئها يتم التدخل المهني للخدمة الاجتماعية في المجتمعات المعاصرة - سرعان ما يتبين له أن محور الاهتمام فيهما جميعا يدور حول أمرين أساسيين:
أ- إشباع الحاجات الدنيوية.
ب- مواجهة ما يرتبط بنقص الإشباع من صعوبات في العلاقات مع الآخرين - أيضا في نطاق هذه الحياة الدنيا - أو ما يرتبط بهذا كله من اضطرابات في النفوس والعقول تنغص على الناس عيشهم .
ولا يجادل إلا مكابر في أهمية العوامل المذكورة ، فهي تتصل اتصالا مباشرا بنوعية الحياة والمعاناة اليومية للناس ، وهي تستحق أن يبذل الأخصائيون الاجتماعيون وغيرهم من المهنيين المتعاونين معهم جهودهم للمساعدة على مواجهتها ، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة هنا - في ضوء ما تعرضنا له فيما سبق - هي:
1- هل يمكن فهم مشكلات العملاء - حتى ما اتصل منها بإشباع الحاجات المادية والدنيوية بصفة عامة - دون دراسة مدى تأثرها بالجوانب الروحية المتصلة بصلة الإنسان بربه؟
2- هل يمكن أن يبنى التدخل المهني لمساعدة العملاء على مواجهة تلك المشكلات الدنيوية ذاتها مع الإصرار على إغفال تلك العوامل الروحية؟
3- وحتى لو سلمنا جدلا بأن بالإمكان فهم تلك المشكلات الدنيوية والمساعدة على حلها مع إغفال العوامل الروحية ، فأي نوع من المعونة تلك التي نقدمها للناس والتي تأخذ بأيدي العملاء في سعيهم لتجاوز عقبات تافهة تعترض دنياهم الزائلة ولا تأخذ بحجزتهم عن الوقوع فيما يؤدى إلى غضب الله وعقابه الأليم في دار الخلود والبقاء ؟
"محتوى" عملية تقدير الموقف في التصور الإسلامي :
لقد تبين لنا من استعراض أنواع الصعوبات والمشكلات والحاجات والمواقف التي تتدخل الخدمة الاجتماعية لمواجهتها في المنظور الغربي الحديث أن هذه المواقف تتمثل عندهم أساسا في نقص إشباع الحاجات المادية والنفسية والاجتماعية ، أو في معاناة صعوبات في العلاقات الاجتماعية ، أو في وجود مشكلات تتصل بأداء الوظائف الاجتماعية ، أو في ظهور مشكلات انفعالية متصلة بهذه المواقف أو بعضها . وقد انتهينا إلى أن هذه المشكلات أو المواقف التي تتطلب التدخل جميعا إنما تتوقف في المنظور الغربي عند حدود هذه الحياة الدنيا من جهة ، كما أنها تفرغها - حتى في نطاق هذه الحياة الدنيا - من أي محتوى روحي يتعلق بصلة العميل بربه .
ولكننا قد انتهينا أيضا فيما سبق إلى أنه لا يمكن فهم هذه المشكلات والصعوبات بالاقتصار على دراسة الحاجات الدنيوية وحدها - أشبعت أو لم تشبع - وإنما يكون هذا الفهم ممكنا إذا استطعنا أولا وقبل كل شىء أن نتعرف على " نوع صلة الإنسان بربه" المبنية على مفهوم " الشعور بالافتقار إلى الله سبحانه وتعالي " باعتبار أن هذا الشعور يكون أساسا لارتباط الإنسان بخالقه ورازقه ، على أساس أن رضاء الله سبحانه وتعالي عن العبد فيه كفالة إشباع كل تلك الحاجات الدنيوية (إن شاء الله ذلك ، وهو أعلم بعباده وبما يصلحهم ) إضافة إلى تحقيق النجاة والفوز العظيم في الحياة الآخرة ، ولكننا توصلنا أيضا إلى أنه لا يجوز - في المنظور الإسلامي - إغفال إشباع الحاجات الدنيوية (المادية والنفسية والاجتماعية ) وإن كان إشباعها ينبغي أن يكون إشباعا متوازنا لا يجعل منها أبدا هدفا في ذاتها ، بحيث لا تكون أكبر هم العبد ولا تكون مبلغ علمه.
وبهذا فقد انتهينا إلى أن المنظور الإسلامي يستوعب الاهتمامات والحاجات الدنيوية للإنسان التي أسرف المنظور الغربي في التركيز عليها ، ولكنه يقدرها حق قدرها دون زيادة أو نقصان ، ثم يضعها في موضعها الصحيح من حاجات الإنسان في الدنيا (المتضمنة لأشواقه الروحية ) ومن حاجاته المتصلة بالحياة الأخرى .
وبناء على ما تقدم فإن عملية تقدير الموقف - في المنظور الإسلامي - ينبغي دون شك أن تتضمن دراسة ما يتصل بالحاجات الدنيوية(المادية والنفسية والاجتماعية ) غير المشبعة ، ولكنها أيضا ينبغي أن تتضمن قبل هذا وبعده تقدير الموقف أيضا فيما يتعلق "بنوع صلة العميل بربه" سواء من النواحي المعرفية المتعلقة بصحة الاعتقاد والسلامة من البدعيات والشركيات ، أو من النواحي القلبية الوجدانية أو السلوكية التعبدية بالمعنى الضيق للعبادات وبالمعنى الواسع " للعبادة" الذي يشمل طاعة الله فيما أمر ونهي في كل جوانب الحياة.
وقد يبدو هذا المطلب غريبا في عيوننا التي عاشت طويلا في رحاب - أقصد في ضيق -منطلقات البحث الإمبيريقية (التي تقتصر على دراسة ما هو محسوس) التي تحصر الدراسة "العلمية " في نطاق السلوك "الموضوعي" الظاهر على الوجه الذي وصل إلينا من الغرب العلماني ، ولكن عجبنا قد يزول عندما نرى أن بعض كبار رجال الخدمة الاجتماعية الغربيين أنفسهم قد بدأوا في المطالبة بالاهتمام بالنواحي الروحية والأخلاقية عند تقدير الموقف ودراسة العميل وبيئته.
حيث دعا بعضهم إلى توسيع نطاق مفهوم الشخص-في-البيئة Person-in-the-Environment الذي يعتبر محور ارتكاز الخدمة الاجتماعية لكي يشمل ليس فقط “ دراسة علاقات العميل مع البيئة الاجتماعية ، وإنما أيضا مع العالم فوق-الإنساني ، أو مع "الحقيقة المطلقة" ، كما يطالبون بضرورة التوصل إلى معايير لتقدير درجة الارتقاء الروحي والأخلاقي للعميل Moral and Spiritual development بل إن بعضهم قد اقترح بالفعل بعض المعايير التي يرى أنها تصلح مبدئيا لتقييم أو قياس درجة الارتقاء الروحي للعملاء مثل:
أ- درجة رضاء العميل عن حياته.
ب- درجة الاهتمام والحدب التي تشيع في علاقات العميل مع الآخرين .
ج- القدرة على إدراك المعاني الأخلاقية السامية "في المواقف المعقدة".
د- الاستعداد لتقبل فكرة حتمية الموت والمرض وما يشابهها مما يتحدى شعور الإنسان بمعنى الحياة وهدفها.
وعلى أي حال فلا شك أننا مطالبون ببذل جهود كبيرة لبلورة أدوات تصلح لقياس مثل هذه المفاهيم لاستخدامها في تقدير موقف العملاء من الناحية الروحية أو الدينية ، والواقع أنه لا يبدو أن هناك ما يمنع من استخدام اصطلاح " مستوى التدين" أو اصطلاح " درجة الارتقاء الروحي" للتعبير عن فكرة " نوع صلة العميل بالله سبحانه وتعالي" التي تعنينا في تقدير موقف العميل والتي -في التصور الإسلامي - تتضمن كما أسلفنا العناصر التالية :
1- المعرفة بالله والاعتقاد بوحدانيته وبكمال هيمنته على كل ما في الوجود.
2- هيمنة تلك المعرفة على القلب بما يحييه ، وعلى الوجدان بما يسخره ليسير طائعا وفقا لمقتضيات هذه المعرفة وذلك الاعتقاد .
3- تقوى الله سبحانه وتعالي ، الناشئة عن حياة القلب وتسخير الوجدان ، والتي تنعكس في صورة طاعات وأعمال صالحات .
وإذن فإننا نتوقع أن تتسم عملية تقدير الموقف في التصور الإسلامي بالشمول ، فتضم ما يتصل بالحاجات الدنيوية المادية كما تضم ما يتعلق بالنواحي الروحية المتصلة بصلة العميل بربه ، ومن الطبيعي أننا لن نركز هنا على تفصيلات ما يتعلق بالنوع الأول من الحاجات (الدنيوية والمادية والنفسية والاجتماعية ) على اعتبار أن المراجع التقليدية تفيض بها ، ولكننا سنركز بدلا من ذلك على النوع الثاني (المتصل بالحاجات الروحية ) وبالتفاعل بينهما .
وفي هذا المقام فإننا نتوقع أن تنتهي نتيجة عملية تقدير الموقف بالنسبة للعملاء إلى ظهور واحدة من الحالات الثلاثة الآتية:
الحالة الأولى : أن يكون العميل صحيح الاعتقاد (مقيما على التوحيد الخالص بريئا من الشركيات والبدعيات) ، وأن يكون هذا الاعتقاد الصحيح عميقا بدرجة يهيمن معها على القلب والوجدان ، ويكون مقترنا بسلامة الفطرة ونقائها ، وهنا فإننا نتوقع أن يكون السلوك في جملته مطابقا للشرع ، مستهدفا ما يرضى الله سبحانه وتعالي ، كما نتوقع أن مثل هذا الشخص إذا ابتُلى بشيء من الخوف أو الجوع أو بنقص في الأموال والأنفس والثمرات فإنه يكون من الصابرين المحتسبين الطامعين في حسن العِوض من الله في الدنيا ، الموقنين بحسن الجزاء في الآخرة ، ويترتب على ذلك أن يكون سعيه لمواجهة أي مشكلات تصادفه سعيا متزنا غير مشوب بالجزع أو الفزع أو الخوف أو الاضطراب ، وأما إذا ابتلى مثل هذا الشخص بفتنة الوفرة في النعم والخيرات فإن هذا لن يؤدى به إلى الطغيان أو التجاوز أو الوقوع في المحظورات (اللهم اجعلنا من هؤلاء بفضلك ورحمتك).
الحالة الثانية: أن يكون العميل صحيح الاعتقاد أيضا ، ولكن هذا الاعتقاد الصحيح لا أثر له على القلب والوجدان ، بمعنى أن الشخص يواجه حالة من عدم الارتباط بين الفكر والعاطفة ، فأقواله تعبر عن اعتقادات صحيحة ، ولكن هذه الأقوال لاتصل إلى تحريك القلب و الوجدان ، مما يعنى عجز هذا النوع من الاعتقاد عن جمع الهمة بالقوة الكافية في اتجاه فعل المأمورات واجتناب المحظورات ، وهنا فإننا سنلاحظ اضطرابا في السلوك ، لأن مداخل الشيطان على مثل هذا الشخص تكون كثيرة ، وميله مع ما تهوى النفس شديدا ، فنجد العميل يخلط عملا صالحا وآخر سيئا ، وبالتالي فإن استجاباته عندما يواجه الابتلاء بالشر أو الابتلاء بالخير تتفاوت تفاوتا كبيرا.
الحالة الثالثة : أن يكون العميل سقيم الاعتقاد ، يختلط التوحيد عنده ببعض الشركيات أو البدعيات، وهنا فإننا نتوقع أن يكون مثل هذا الشخص مصابا بأمراض القلوب التي وصفها الكثيرون من أهل العلم ، سواء منها ما كان من أمراض الشبهات أو أمراض الشهوات ، فثقة مثل هذا العميل في الله وصدق التوكل عليه تكون محل نظر شديد ، كما أن احتمالات انخراطه في التجاوزات في إشباع الشهوات تكون كبيرة ، ومن هنا يكون الخذلان نصيبه ، فتجده يصاب بالهلع والجزع الشديد عند الابتلاء بالنقص كما يصاب بالشح والطغيان أن رآه استغنى ، وفي كل الأحوال فهو مصدر للمشكلات لنفسه ولغيره .
والآن ما هي الاستراتيجية العامة والأدوات والأساليب الفنية التي ينبغي أن يستخدمها المعالج أو الأخصائي الاجتماعي المسلم للتدخل المهني لمساعدة العملاء الذين يقعون في كل فئة من الفئات السابقة؟
الخميس مايو 09, 2013 10:32 pm من طرف قداري محمد
» استخدام طريقة العروض العملية في تدريس العلوم
الخميس أبريل 18, 2013 10:26 am من طرف قداري محمد
» Ten ways to improve Education
الخميس فبراير 21, 2013 8:44 am من طرف بشير.الحكيمي
» مقتطفات من تصميم وحدة الإحصاء في الرياضيات
الثلاثاء يناير 29, 2013 8:30 am من طرف بشير.الحكيمي
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء يناير 02, 2013 7:49 am من طرف انور..الوحش
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء ديسمبر 19, 2012 10:00 am من طرف محمدعبده العواضي
» الواجبات خلال الترم 5
السبت أكتوبر 06, 2012 11:12 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم4
السبت أكتوبر 06, 2012 11:11 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم3
السبت أكتوبر 06, 2012 11:10 pm من طرف بشرى الأغبري