تشخيص المشكلات النفسية/الاجتماعية التي تواجه الفرد
مفهوم المشكلات الفردية أو النفسية/الاجتماعية:
يتفق المشتغلون بالعلوم الاجتماعية ومهن المساعدة الإنسانية عموما على أن الإنسان مدني بطبعه، بمعنى أنه بطبيعة تكوينه محتاج للحياة في جماعة أو مجتمع يتعاون فيه مع غيره على إشباع حاجاته وحاجاتهم ، ولكن الحياة في جماعة تتضمن الدخول في عدد هائل من التفاعلات الاجتماعية التي لابد من تنظيمها ، مما يؤدي إلى ظهور عدد من النظم الاجتماعية (كالنظام الأسري والنظام الاقتصادي والنظام التعليمي …الخ) التي يضم كل منها عددا من المؤسسات التي يتم في إطارها إشباع الحاجات الإنسانية ، ثم إن التفاعلات التي تتطلبها عملية إشباع الحاجات في نطاق كل منها تحاط بمجموعة من المعايير والقيم التي تضبطها ، والذي يعنينا هنا هو أن النظم الاجتماعية في النهاية تتضمن مجموعة من المكانات الاجتماعية Status التي يحتلها الأفراد بحسب موضعهم في ذلك النظام (مثل مكانة الأب ، الابن ، الزوجة في النظام الأسري ، أو مكانة التلميذ ، المعلم في النظام التعليمي وهكذا..) ، ثم إن المجتمع يرتب توقعات للأدوارRole Expectations التي ينبغي على شاغل كل مكانة من هذه المكانات أن يقوم بها ، فإذا تصرف شاغلو المكانات واقعيا على الوجه المتوقع منهم فيما يتصل بأداء أدوارهم فيقال عندئذ أنهم متوافقون اجتماعيا ، أما إذا عجز الأفراد عن القيام بمتطلبات شغلهم لمكاناتهم الاجتماعية ( الأب الذي يقصر في رعاية أبنائه ، التلميذ الذي يتكرر رسوبه أو يتعاطى المواد المخدرة ، العامل متكرر الغياب عن العمل أو المعرض للحوادث بصورة متكررة…) فهنا يقال أنهم غير متوافقين اجتماعيا Maladjusted ، وعادة ما يصحب ذلك اضطراب في العلاقات الاجتماعية بينهم وبين من ترتبط مكاناتهم الاجتماعية بهم (النزاع بين الزوج والزوجة ، مشاجرات التلميذ مع زملائه أو معلميه …) ، وهنا يبدأ الحديث عن وقوع الفرد في المشكلات الفردية أو الشخصية أو المشكلات النفسية/الاجتماعية Psychosocial أي المشكلات التي تتفاعل فيها شخصية الفرد بجوانبها البدنية والنفسية مع قوى البيئة الاجتماعية.
وبطبيعة الحال فإن حياة الأفراد لايمكن أن تخلو من بعض المواقف الصعبة أو حتى الإشكالية التي يتمكن الفرد من التعامل معها سواء بمفرده أو مستعينا بأفراد أسرته أو أصدقائه ، ولكن بعض المواقف والصعوبات و المشكلات الشخصية قد تستمر وتستعصي على تلك المحاولات والجهود الذاتية للحل ، وهنا فقد يلجأ الفرد إلى إحدى المؤسسات الاجتماعية المتخصصة طلبا للمساعدة ، و لكنه أيضا قد لا يفعل ،وهنا فقد تتفاقم المشكلة وتؤدي إلى مضاعفات تهدد استمرار العلاقات الطبيعية مع المحيطين بالفرد ، فيخرج الموقف من الاختيار إلى الاضطرار عندما يتم تحويل صاحب المشكلة (من جانب مدير المدرسة أو قاضي محكمة الأحداث مثلا) إلى الأخصائي الاجتماعي أو إلى فريق المساعدة المهنية الذي قد يضم غيره من الأخصائيين النفسيين أو المشتغلين بالتوجيه والإرشاد [سنستخدم اصطلاح "الأخصائي" للدلالة على هؤلاء المتخصصين] لدراسة حالته وعلاجه ، وعادة ما يطلق على الفرد الذي يتقدم طالبا المساعدة بنفسه أو محولا من الجهات المختصة اصطلاحا "العميل" ، وتكون المهمة الأولى التي تواجه الأخصائي هي محاولة فهم الظروف والعوامل النفسية والأسرية والبيئية (الجيرة ، المدرسة ، مكان العمل ..الخ) التي تفاعلت في الموقف حتى انتهت إلى تلك الصورة الإشكالية ، ثم إنه في ضوء تشخيص المشكلة على هذا الوجه يعمل الأخصائي على وضع خطة علاجية تمكن العميل ليس فقط من تجاوز الموقف الإشكالي المباشر بل إلى العمل على إحداث التغييرات الملائمة في اتجاهات العميل وسلوكياته ليصبح أكثر قدرة في المستقبل على القيام بأعباء حياته في حدود المكانات الاجتماعية التي يشغلها ، وفي نطاق توقعات الأدوار الاجتماعية المرتبطة بتلك المكانات ، و في ضوء هذا يتبين لنا أن نجاح الفريق العلاجي إنما يتوقف إلى حد كبير على توافر قاعدة نظرية متماسكة لتفسير تلك المشكلات تكون أساسا للتشخيص ولتحديد طرق التدخل العلاجية الفعالة لمساعدة العميل على مواجهتها .
موقف العلوم الاجتماعية الحديثة من فهم أسباب المشكلات النفسية/الاجتماعية:
إذا رجعنا إلى الكتابات النظرية الحديثة للتعرف على التفسيرات التي تقدمها لنا للمشكلات الشخصية أو النفسية/الاجتماعية Psychosocial, Personal التي تواجه الفرد فإننا سنجد أن القليل من تلك الكتابات قد اهتم بهذا المستوى من المشكلات الشخصية، ولكننا نجد بدلا من ذلك عددا كبيرا من النظريات الجزئية المتنافسة التي تحاول تفسير هذه المشكلات أحيانا كمشكلات نفسية بحتة حتى وإن أعطت قدرا هامشيا من الاعتبار للجوانب الاجتماعية ، أو أحيانا أخرى كمشكلات اجتماعية بحتة يندر أن تعطي القدر الملائم من الاهتمام للأبعاد النفسية ، ومن هنا - ورغم هذا الثراء النظري - نجد أن أيا من تلك الأطر النظرية لم تفلح في تقديم صياغة تفسيرية متكاملة لهذا النوع من المشكلات، فنرى على سبيل المثال أن بعض الكتاب يرون أن المشكلات إنما ترجع في أساسها إلى الصراع النفسي (بين جوانب النفس المختلفة) ، كما يرى آخرون أن المشكلات عبارة عن سلوك يتم تعلمه من خلال مثيرات بيئية خارجية ، ولكننا نجد من جهة أخرى من يركزون جهودهم على تحليل المشكلات على أنها مشكلات "اجتماعية" فيميزون بين عملية التفكك الاجتماعي Social Disorganization وبين السلوك الانحرافي Deviant Behavior ، ويرون أن هاتين الفئتين متشابكتان متفاعلتان في الواقع تؤدى كل منهما إلى الأخرى ، بحيث أنك إذا تعرضت لدراسة أي مشكلة واقعية فستجد ما يشير إلى كل منهما ولكن بدرجات متفاوتة.
ويقارن بعض المؤلفين بين التفكك الاجتماعي والسلوك الانحرافي بقولهم أنه " إذا كانت نظرية التفكك الاجتماعي تركز على التغير الاجتماعي وما يؤدى إليه من اضطراب المعايير والنظم الاجتماعية ... فإن نظرية السلوك الانحرافي تركز على انحراف الفرد عن المعايير الاجتماعية " ، وبلغة أخرى فإن تفسير السلوك الانحرافي يقوم على الافتراض بأن المعايير الاجتماعية العامة سليمة ، ولكن لسبب أو لآخر فإن الأفراد لم تتم تنشئتهم تنشئة اجتماعية صحيحة تضمن التزامهم بتلك المعايير . ثم إن هناك عددا من النظريات المفسرة للسلوك الانحرافي ، تقوم إحداها على أن تنشئة الفرد قد تتم أحيانا في إطار " ثقافة فرعية انحرافية" Deviant Subculture كما في حالة من ينشأون في أحياء متخلفة تشيع فيها المعايير الانحرافية ، بينما ترى الأخرى أن السلوك الانحرافي يرجع إلى متابعة الفرد لمعايير يراها المجتمع والثقافة الفرعية انحرافية ولكنها تعتبر سوية في نظر جماعة مرجعية أخرىReference Group يتوحد معها الفرد ويتخذها مرجعا موجها لسلوكه ، كما ترى نظرية ثالثة أن السلوك الانحرافي يكون متوقعا عندما تحول أوضاع بنائية مستقرة في المجتمع - وبشكل مضطرد - دون إتاحة الفرصة لبعض فئات المجتمع للحصول على الوسائل المشروعة التي تمكنهم من تحقيق الأهداف المرغوب فيها وفق الإطار الثقافي السائد Anomie theory)) وهكذا .
وبصفة عامة فإننا نلاحظ أن التفسيرات التي تقدمها لنا تلك الأطر التصورية تتسم بالتركيز على الآليات والعمليات الاجتماعية من جهة ، وبالنسبية الثقافية من جهة أخرى ، فالتركيز على التغير الاجتماعي والتفكك الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي يجعل المشكلات الاجتماعية الواسعة النطاق تبدو وكأنها أمر طبيعي تحتمه ميكانيكية هذه الآليات الاجتماعية التي لا ترحم ، وأما التفسيرات التي تركز على دور المعايير الاجتماعية والثقافات الفرعية فإنها تبدأ وتنتهي من القيم الاجتماعية السائدة أيا كانت تلك القيم ، فتحيل التفسير إلى قضية فنية بحتة تتم فيها مضاهاة توجهات الثقافات الفرعية والسلوكيات الفردية على القيم التي تبنتها الثقافة الحاضرة في المجتمع ، أما نقد تلك القيم المجتمعية من منظور أرقى فإن هؤلاء العلماء يرونه خارج نطاق مهمتهم.
فإذا انتقلنا إلى الكتابات المهنية في محيط الخدمة الاجتماعية كإحدى مهن المساعدة الإنسانية ، فإننا سنجد أنها تعكس نفس الأطر التصورية السابقة التي وجدناها عند المتخصصين في علم الاجتماع ، مع محاولة لإيجاد قدر من التكامل بينها وبين ما يقدمه المتخصصون في علم النفس تفسيرا للمشكلات ذات الطبيعة النفسية التي تواجه الأفراد ، والواقع أنه يمكننا - مع المخاطرة بالوقوع في قدر من التبسيط الزائد - القول بأن كتابات الخدمة الاجتماعية تنظر لأسباب هذه المشكلات الفردية أو الشخصية على أنها تتمثل فيما يلي:
1- النقص أو القصور في إشباع الحاجات الإنسانية ( مع تعريف الحاجات تعريفا ضيقا يكاد ينصب أساسا على الحاجات المادية ثم ما يتبعها من حاجات نفسية واجتماعية) وما يترتب على ذلك القصور في إشباع الحاجات من إحباط وعدوان.
2- ما يترتب على استمرار القصور في إشباع الحاجات من مشكلات في العلاقات مع الآخرين وفي التوافق الاجتماعي ، وهو ما يعبر بالمشكلات المتصلة بعملية " أداء الوظائف الاجتماعية" Social Functioning.
3- العمليات الاجتماعية الأشمل التي تحيط بهذا كله كالتغير الاجتماعي وما يؤدى إليه من تفكك اجتماعي Social Disorganization يتصل بقصور النظم لاجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة.
وتتفاوت المحاولات المختلفة للتنظير بعد ذلك في تركيزها على عامل أو آخر من تلك العوامل ، أو حتى في التركيز على الديناميات التي تندرج تحت أي عامل منها بذاته ، أو في تشكيلة العوامل التي تجمع بينها كأسباب للمشكلات، في حين يرى غيرهم أن المشكلات ترجع إلى تفاعل العوامل الذاتية مع العوامل البيئية .
والآن ما هو موقفنا كمسلمين من هذه التفسيرات لأسباب المشكلات الفردية أو المشكلات الشخصية أو النفسية/الاجتماعية ؟ إن من الطبيعي أن مناقشتنا لهذه القضية ينبغي أن تكون مبنية بشكل مباشر على ما توصلنا إليه في دراستنا لطبيعة الإنسان بمختلف جوانبها المادية والروحية ، وتوضح ديناميات التفاعل بين تلك القوى الداخلة في تكوين ذلك الإنسان ، وبيان تأثيراتها على العلاقات بين الناس.
مفهوم المشكلات الفردية أو النفسية/الاجتماعية:
يتفق المشتغلون بالعلوم الاجتماعية ومهن المساعدة الإنسانية عموما على أن الإنسان مدني بطبعه، بمعنى أنه بطبيعة تكوينه محتاج للحياة في جماعة أو مجتمع يتعاون فيه مع غيره على إشباع حاجاته وحاجاتهم ، ولكن الحياة في جماعة تتضمن الدخول في عدد هائل من التفاعلات الاجتماعية التي لابد من تنظيمها ، مما يؤدي إلى ظهور عدد من النظم الاجتماعية (كالنظام الأسري والنظام الاقتصادي والنظام التعليمي …الخ) التي يضم كل منها عددا من المؤسسات التي يتم في إطارها إشباع الحاجات الإنسانية ، ثم إن التفاعلات التي تتطلبها عملية إشباع الحاجات في نطاق كل منها تحاط بمجموعة من المعايير والقيم التي تضبطها ، والذي يعنينا هنا هو أن النظم الاجتماعية في النهاية تتضمن مجموعة من المكانات الاجتماعية Status التي يحتلها الأفراد بحسب موضعهم في ذلك النظام (مثل مكانة الأب ، الابن ، الزوجة في النظام الأسري ، أو مكانة التلميذ ، المعلم في النظام التعليمي وهكذا..) ، ثم إن المجتمع يرتب توقعات للأدوارRole Expectations التي ينبغي على شاغل كل مكانة من هذه المكانات أن يقوم بها ، فإذا تصرف شاغلو المكانات واقعيا على الوجه المتوقع منهم فيما يتصل بأداء أدوارهم فيقال عندئذ أنهم متوافقون اجتماعيا ، أما إذا عجز الأفراد عن القيام بمتطلبات شغلهم لمكاناتهم الاجتماعية ( الأب الذي يقصر في رعاية أبنائه ، التلميذ الذي يتكرر رسوبه أو يتعاطى المواد المخدرة ، العامل متكرر الغياب عن العمل أو المعرض للحوادث بصورة متكررة…) فهنا يقال أنهم غير متوافقين اجتماعيا Maladjusted ، وعادة ما يصحب ذلك اضطراب في العلاقات الاجتماعية بينهم وبين من ترتبط مكاناتهم الاجتماعية بهم (النزاع بين الزوج والزوجة ، مشاجرات التلميذ مع زملائه أو معلميه …) ، وهنا يبدأ الحديث عن وقوع الفرد في المشكلات الفردية أو الشخصية أو المشكلات النفسية/الاجتماعية Psychosocial أي المشكلات التي تتفاعل فيها شخصية الفرد بجوانبها البدنية والنفسية مع قوى البيئة الاجتماعية.
وبطبيعة الحال فإن حياة الأفراد لايمكن أن تخلو من بعض المواقف الصعبة أو حتى الإشكالية التي يتمكن الفرد من التعامل معها سواء بمفرده أو مستعينا بأفراد أسرته أو أصدقائه ، ولكن بعض المواقف والصعوبات و المشكلات الشخصية قد تستمر وتستعصي على تلك المحاولات والجهود الذاتية للحل ، وهنا فقد يلجأ الفرد إلى إحدى المؤسسات الاجتماعية المتخصصة طلبا للمساعدة ، و لكنه أيضا قد لا يفعل ،وهنا فقد تتفاقم المشكلة وتؤدي إلى مضاعفات تهدد استمرار العلاقات الطبيعية مع المحيطين بالفرد ، فيخرج الموقف من الاختيار إلى الاضطرار عندما يتم تحويل صاحب المشكلة (من جانب مدير المدرسة أو قاضي محكمة الأحداث مثلا) إلى الأخصائي الاجتماعي أو إلى فريق المساعدة المهنية الذي قد يضم غيره من الأخصائيين النفسيين أو المشتغلين بالتوجيه والإرشاد [سنستخدم اصطلاح "الأخصائي" للدلالة على هؤلاء المتخصصين] لدراسة حالته وعلاجه ، وعادة ما يطلق على الفرد الذي يتقدم طالبا المساعدة بنفسه أو محولا من الجهات المختصة اصطلاحا "العميل" ، وتكون المهمة الأولى التي تواجه الأخصائي هي محاولة فهم الظروف والعوامل النفسية والأسرية والبيئية (الجيرة ، المدرسة ، مكان العمل ..الخ) التي تفاعلت في الموقف حتى انتهت إلى تلك الصورة الإشكالية ، ثم إنه في ضوء تشخيص المشكلة على هذا الوجه يعمل الأخصائي على وضع خطة علاجية تمكن العميل ليس فقط من تجاوز الموقف الإشكالي المباشر بل إلى العمل على إحداث التغييرات الملائمة في اتجاهات العميل وسلوكياته ليصبح أكثر قدرة في المستقبل على القيام بأعباء حياته في حدود المكانات الاجتماعية التي يشغلها ، وفي نطاق توقعات الأدوار الاجتماعية المرتبطة بتلك المكانات ، و في ضوء هذا يتبين لنا أن نجاح الفريق العلاجي إنما يتوقف إلى حد كبير على توافر قاعدة نظرية متماسكة لتفسير تلك المشكلات تكون أساسا للتشخيص ولتحديد طرق التدخل العلاجية الفعالة لمساعدة العميل على مواجهتها .
موقف العلوم الاجتماعية الحديثة من فهم أسباب المشكلات النفسية/الاجتماعية:
إذا رجعنا إلى الكتابات النظرية الحديثة للتعرف على التفسيرات التي تقدمها لنا للمشكلات الشخصية أو النفسية/الاجتماعية Psychosocial, Personal التي تواجه الفرد فإننا سنجد أن القليل من تلك الكتابات قد اهتم بهذا المستوى من المشكلات الشخصية، ولكننا نجد بدلا من ذلك عددا كبيرا من النظريات الجزئية المتنافسة التي تحاول تفسير هذه المشكلات أحيانا كمشكلات نفسية بحتة حتى وإن أعطت قدرا هامشيا من الاعتبار للجوانب الاجتماعية ، أو أحيانا أخرى كمشكلات اجتماعية بحتة يندر أن تعطي القدر الملائم من الاهتمام للأبعاد النفسية ، ومن هنا - ورغم هذا الثراء النظري - نجد أن أيا من تلك الأطر النظرية لم تفلح في تقديم صياغة تفسيرية متكاملة لهذا النوع من المشكلات، فنرى على سبيل المثال أن بعض الكتاب يرون أن المشكلات إنما ترجع في أساسها إلى الصراع النفسي (بين جوانب النفس المختلفة) ، كما يرى آخرون أن المشكلات عبارة عن سلوك يتم تعلمه من خلال مثيرات بيئية خارجية ، ولكننا نجد من جهة أخرى من يركزون جهودهم على تحليل المشكلات على أنها مشكلات "اجتماعية" فيميزون بين عملية التفكك الاجتماعي Social Disorganization وبين السلوك الانحرافي Deviant Behavior ، ويرون أن هاتين الفئتين متشابكتان متفاعلتان في الواقع تؤدى كل منهما إلى الأخرى ، بحيث أنك إذا تعرضت لدراسة أي مشكلة واقعية فستجد ما يشير إلى كل منهما ولكن بدرجات متفاوتة.
ويقارن بعض المؤلفين بين التفكك الاجتماعي والسلوك الانحرافي بقولهم أنه " إذا كانت نظرية التفكك الاجتماعي تركز على التغير الاجتماعي وما يؤدى إليه من اضطراب المعايير والنظم الاجتماعية ... فإن نظرية السلوك الانحرافي تركز على انحراف الفرد عن المعايير الاجتماعية " ، وبلغة أخرى فإن تفسير السلوك الانحرافي يقوم على الافتراض بأن المعايير الاجتماعية العامة سليمة ، ولكن لسبب أو لآخر فإن الأفراد لم تتم تنشئتهم تنشئة اجتماعية صحيحة تضمن التزامهم بتلك المعايير . ثم إن هناك عددا من النظريات المفسرة للسلوك الانحرافي ، تقوم إحداها على أن تنشئة الفرد قد تتم أحيانا في إطار " ثقافة فرعية انحرافية" Deviant Subculture كما في حالة من ينشأون في أحياء متخلفة تشيع فيها المعايير الانحرافية ، بينما ترى الأخرى أن السلوك الانحرافي يرجع إلى متابعة الفرد لمعايير يراها المجتمع والثقافة الفرعية انحرافية ولكنها تعتبر سوية في نظر جماعة مرجعية أخرىReference Group يتوحد معها الفرد ويتخذها مرجعا موجها لسلوكه ، كما ترى نظرية ثالثة أن السلوك الانحرافي يكون متوقعا عندما تحول أوضاع بنائية مستقرة في المجتمع - وبشكل مضطرد - دون إتاحة الفرصة لبعض فئات المجتمع للحصول على الوسائل المشروعة التي تمكنهم من تحقيق الأهداف المرغوب فيها وفق الإطار الثقافي السائد Anomie theory)) وهكذا .
وبصفة عامة فإننا نلاحظ أن التفسيرات التي تقدمها لنا تلك الأطر التصورية تتسم بالتركيز على الآليات والعمليات الاجتماعية من جهة ، وبالنسبية الثقافية من جهة أخرى ، فالتركيز على التغير الاجتماعي والتفكك الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي يجعل المشكلات الاجتماعية الواسعة النطاق تبدو وكأنها أمر طبيعي تحتمه ميكانيكية هذه الآليات الاجتماعية التي لا ترحم ، وأما التفسيرات التي تركز على دور المعايير الاجتماعية والثقافات الفرعية فإنها تبدأ وتنتهي من القيم الاجتماعية السائدة أيا كانت تلك القيم ، فتحيل التفسير إلى قضية فنية بحتة تتم فيها مضاهاة توجهات الثقافات الفرعية والسلوكيات الفردية على القيم التي تبنتها الثقافة الحاضرة في المجتمع ، أما نقد تلك القيم المجتمعية من منظور أرقى فإن هؤلاء العلماء يرونه خارج نطاق مهمتهم.
فإذا انتقلنا إلى الكتابات المهنية في محيط الخدمة الاجتماعية كإحدى مهن المساعدة الإنسانية ، فإننا سنجد أنها تعكس نفس الأطر التصورية السابقة التي وجدناها عند المتخصصين في علم الاجتماع ، مع محاولة لإيجاد قدر من التكامل بينها وبين ما يقدمه المتخصصون في علم النفس تفسيرا للمشكلات ذات الطبيعة النفسية التي تواجه الأفراد ، والواقع أنه يمكننا - مع المخاطرة بالوقوع في قدر من التبسيط الزائد - القول بأن كتابات الخدمة الاجتماعية تنظر لأسباب هذه المشكلات الفردية أو الشخصية على أنها تتمثل فيما يلي:
1- النقص أو القصور في إشباع الحاجات الإنسانية ( مع تعريف الحاجات تعريفا ضيقا يكاد ينصب أساسا على الحاجات المادية ثم ما يتبعها من حاجات نفسية واجتماعية) وما يترتب على ذلك القصور في إشباع الحاجات من إحباط وعدوان.
2- ما يترتب على استمرار القصور في إشباع الحاجات من مشكلات في العلاقات مع الآخرين وفي التوافق الاجتماعي ، وهو ما يعبر بالمشكلات المتصلة بعملية " أداء الوظائف الاجتماعية" Social Functioning.
3- العمليات الاجتماعية الأشمل التي تحيط بهذا كله كالتغير الاجتماعي وما يؤدى إليه من تفكك اجتماعي Social Disorganization يتصل بقصور النظم لاجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة.
وتتفاوت المحاولات المختلفة للتنظير بعد ذلك في تركيزها على عامل أو آخر من تلك العوامل ، أو حتى في التركيز على الديناميات التي تندرج تحت أي عامل منها بذاته ، أو في تشكيلة العوامل التي تجمع بينها كأسباب للمشكلات، في حين يرى غيرهم أن المشكلات ترجع إلى تفاعل العوامل الذاتية مع العوامل البيئية .
والآن ما هو موقفنا كمسلمين من هذه التفسيرات لأسباب المشكلات الفردية أو المشكلات الشخصية أو النفسية/الاجتماعية ؟ إن من الطبيعي أن مناقشتنا لهذه القضية ينبغي أن تكون مبنية بشكل مباشر على ما توصلنا إليه في دراستنا لطبيعة الإنسان بمختلف جوانبها المادية والروحية ، وتوضح ديناميات التفاعل بين تلك القوى الداخلة في تكوين ذلك الإنسان ، وبيان تأثيراتها على العلاقات بين الناس.
الخميس مايو 09, 2013 10:32 pm من طرف قداري محمد
» استخدام طريقة العروض العملية في تدريس العلوم
الخميس أبريل 18, 2013 10:26 am من طرف قداري محمد
» Ten ways to improve Education
الخميس فبراير 21, 2013 8:44 am من طرف بشير.الحكيمي
» مقتطفات من تصميم وحدة الإحصاء في الرياضيات
الثلاثاء يناير 29, 2013 8:30 am من طرف بشير.الحكيمي
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء يناير 02, 2013 7:49 am من طرف انور..الوحش
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء ديسمبر 19, 2012 10:00 am من طرف محمدعبده العواضي
» الواجبات خلال الترم 5
السبت أكتوبر 06, 2012 11:12 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم4
السبت أكتوبر 06, 2012 11:11 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم3
السبت أكتوبر 06, 2012 11:10 pm من طرف بشرى الأغبري