معرفة مزايا الخشوع في الصلاة
ومنها
- قوله صلى الله عليه و سلم : (ما من امريء مسلم
تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها ، إلا كانت كفارة لما
قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة ، وذلك الدهر كله). رواه مسلم
1/206 رقم 2/4/7
- أن الأجر المكتوب بحسب الخشوع كما قال صلى الله عليه وسلم : (إن العبد ليصلي الصلاة ما يُكتب له منها إلا عشرها ،
تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها)
رواه الإمام أحمد 4/321 وهو في صحيح الجامع 1626
- أنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه :
(ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها).
- أن الأوزار والآثام تنحط عنه إذا صلّى بتمام وخشوع كما قال النبي صلى
عليه وسلم : (إن العبد إذا قام يصلي أُتي بذنوبه
كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه) (رواه
البيهقي في السنن الكبرى 3/10 وهو في صحيح الجامع).
قال المناوي : " المراد أنه كلما أتم ركناً سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا
أتمها تكامل السقوط وهذا في صلاة متوفرة الشروط والأركان والخشوع كما يؤذن
به لفظ " العبد " و" القيام " إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك
مقام عبد ذليل ". رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10 وهو في صحيح الجامع.
- أن الخاشع في صلاته " إذا انصرف منها وجد خفّة من نفسه ، وأحس بأثقال قد
وضعت عنه ، فوجد نشاطا وراحة وروحا ، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ،
لأنها قرّة عينه ونعيم روحه ، وجنة قلبه ، ومستراحه في الدنيا ، فلا يزال
كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها ، فيستريح بها ، لا منها ، فالمحبون يقولون
: نصلي فنستريح بصلاتنا ، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه
وسلم : (يا بلال أرحنا بالصلاة) ولم يقل
أرحنا منها.
وقال صلى الله عليه وسلم : (جعلت قرة عيني
بالصلاة) فمن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، كيف تقرّ عينه بدونها
وكيف يطيق الصبر عنها ؟ " الوابل الصيّب 37.
(17) الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود
لاشك أن مناجاة الله تعالى والتذلل إليه والطلب منه والإلحاح عليه مما يزيد
العبد صلة بربّه فيعظم خشوعه ، والدعاء هو العبادة والعبد مأمور به قال
تعالى : (أدعو ربكم تضرعا وخفية) و(من لم يسأل الله يغضب عليه) رواه الترمذي كتاب
الدعوات 1/426 وحسنه في صحيح الترمذي 2686
وقد ثبت الدعاء في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم
في مواضع معينة هي السجود وبين السجدتين وبعد التشهد وأعظم هذه المواضع
السجود
لقوله صلى الله عليه وسلم : (أقرب ما يكون العبد
من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم كتاب الصلاة باب مايقال
في الركوع والسجود رقم 215 وقال : (...أما السجود
فاجتهدوا في الدعاء فَقَمَن - أي حريّ وجدير - أن يُستجاب لكم) رواه مسلم كتاب الصلاة باب النهي عن قراءة
القرآن في الركوع والسجود رقم 207
ومن
أدعيته صلى الله عليه وسلم في سجوده
: (اللهم اغفر لي ذنبي دِقَّه وجِلَّه ، وأوله
وآخره ، وعلانيته وسره) رواه مسلم : كتاب الصلاة ، باب ما يُقال في
الركوع والسجود رقم 216
وكذلك (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت)
أخرجه النسائي : المجتبى 2/569 وهو في صحيح النسائي1067 وقد تقدّم بعض
ماكان يدعو به بين السجدتين أنظر السبب رقم 11.
ومما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ماعلمناه بقوله
: " (إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بالله من
أربع ؛ من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر
المسيح الدجال.)
وكان يقول (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن
شر ما لم أعمل.) (اللهم حاسبني حسابا
يسيرا)
وعلّم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول : (اللهم
إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من
عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)
وسمع رجلا يقول في تشهده : (اللهم إني أسألك يا
الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي
ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم فقال صلى الله عليه وسلم : قد غُفر له ، قد
غُفر له.)
وسمع آخر يقول في تشهده : (اللهم إني أسألك بأن
لك الحمد ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان يا بديع السموات والأرض
يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : تدرون بما دعا ؟ قالوا الله
ورسوله أعلم قال : والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا
دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى.)
وكان من آخر ما يقوله صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم : (اللهم اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت
وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر ، لا إله إلا
أنت.) " هذه الأدعية وغيرها وتخريجها في صفة الصلاة للعلامة
الألباني ص: 163 ط.11
وحفظ مثل هذه الأدعية يعالج مشكلة صمت بعض الناس وراء الإمام إذا فرغوا من
التشهد لأنهم لا يدرون ماذا يقولون.
(18) الأذكار الواردة بعد الصلاة
فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة
وفائدتها
ولاشك أن من حفظ الطاعة الأولى وصيانتها إتباعها بطاعة ثانية ، وكذلك فإن
المتأمل لأذكار ما بعد الصلاة يجد أنها تبدأ بالاستغفار ثلاثا فكأن المصلي
يستغفر ربه عما حصل من الخلل في صلاته وعما حصل من التقصير في خشوعها فيها ،
ومن المهم كذلك الاهتمام بالنوافل فإنها تجبر النقص في الفرائض ومنه
الإخلال بالخشوع.
وبعد الكلام عن تحصيل الأسباب الجالبة للخشوع يأتي الحديث عن
ثانيا : دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن
الخشوع وتكدِّر صفوه
(19) إزالة ما يشغل المصلي من المكان
عن أنس رضي الله عنه قال : كان قِرام (ستر فيه
نقش وقيل ثوب ملوّن) لعائشة سترت به جانب بيتها ، فقال لها النبي
صلى الله عليه وسلم : (أميطي - أزيلي - عني فإنه
لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي) رواه البخاري : فتح الباري
10/391.
وعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى
سهوة (بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه
بالمخدع أو الخزانة) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه فقال :
(أخّريه عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في
صلاتي) فأخرته فجعلته وسائد. رواه مسلم رحمه الله في صحيحه 3/1668
ويدل على هذا المعنى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة
ليصلي فيها رأى قرني كبش فلما صلى قال لعثمان الحجبي (إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه ليس ينبغي أن
يكون في البيت شيء يشغل المصلي.) أخرجه أبو داود 2030 وهو في صحيح
الجامع 2504
ويدخل في هذا ؛
الاحتراز من الصلاة في أماكن مرور الناس وأماكن الضوضاء والأصوات المزعجة
وبجانب المتحدثين وفي مجالس اللغو واللغط وكل ما يشغل البصر.
وكذلك تجنب الصلاة في أماكن الحرّ الشديد والبرد الشديد إذا أمكن ذلك فإن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإبراد في صلاة الظهر بالصيف لأجل هذا ،
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من
الخشوع والحضور ، ويفعل العبادة بتكرّه وتضجّر ، فمن حكمة الشارع أن أمرهم
بتأخيرها حتى ينكسر الحرّ ، فيصلي العبد بقلب حاضر ، ويحصل له مقصود الصلاة
من الخشوع والإقبال على الله تعالى. " الوابل الصيّب ط. دار البيان ص: 22
(20) أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو
ألوان أو تصاوير تشغل المصلي
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قام النبي الله صلى الله عليه و سلم يصلي
في خميصة ذات أعلام - أي : كساء مخطط ومربّع - فنظر إلى علمها فلما قضى
صلاته قال : (اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني بأنبجانيّه
- كساء ليس فيه تخطيط ولا تطريز ولا أعلام -، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي "
وفي رواية : " شغلتني أعلام هذه " وفي رواية : " كانت له خميصة لها علم ،
فكان يتشاغل بها في الصلاة " الروايات في صحيح مسلم رقم 556 ج: 1/391.
ومن باب أولى أن لا يصلي في ثياب فيها صور وخصوصا ذوات الأرواح كما شاع
وانتشر في هذا الزمان.
(21) أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا صلاة
بحضرة طعام) رواه مسلم رقم 560
فإذا وُضع الطعام وحضر بين يديه أو قُدِّم له ، بدأ بالطعام لأنه لا يخشع
إذا تركه وقام يصلي ونفسه متعلِّقة به. بل إن عليه أن لا يعجل حتى تنقضي
حاجته منه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرِّب
العَشاء وحضرت الصلاة ، فابدؤا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب. ولا تعجلوا عن
عشائكم.) وفي رواية : (إذا وُضع عشاء
أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء ولا يعجلنّ حتى يفرغ منه) متفق
عليه ، البخاري كتاب الآذن ، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ، وفي مسلم
رقم 557-559.
(22) ان لا يصلي وهو حاقن أو حاقب
لاشكّ أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط ولذلك (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وهو
حاقن) والحاقن أي الحابس البول. رواه إبن ماجه في سننه رقم 617 وهو
في صحيح الجامع رقم 6832. والحاقب هو حابس الغائط.
ومن حصل له ذلك فعليه أن يذهب إلى الخلاء لقضاء حاجته ولو فاته ما فاته من
صلاة الجماعة فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ
بالخلاء). رواه أبو داود رقم 88 وهو في صحيح الجامع رقم 299
بل إنه إذا حصل له ذلك أثناء الصلاة فإنه يقطع صلاته لقضاء حاجته ثم يتطهر
ويصلي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا
صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان.) صحيح مسلم رقم 560
وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع. ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح.
(23) أن لا يصلي وقد غلبه النّعاس
عن أنس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول)
أي فليرقد حتى يذهب عنه النوم. رواه البخاري رقم 210
وقد جاء ذكر السبب في ذلك : فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : (إذا نعس أحدكم و هو يصلي
فليرقد ، حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله
يستغفر فيسب نفسه). رواه البخاري رقم 209
وقد يحصل هذا في قيام الليل وقد يصادف ساعة إجابة فيدعو على نفسه وهو لا
يدري ، ويشمل هذا الحديث الفرائض أيضا إذا أمِن بقاء الوقت. فتح الباري :
شرح كتاب الوضوء : باب الوضوء من النوم
(24) أن لا يصلي خلف المتحدث أو (النائم) :
لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك فقال : (لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث) رواه أبو داود
رقم 694 و هو في صحيح الجامع رقم 375 و قال حديث حسن.
لأن المتحدث يلهي بحديثه والنائم قد يبدو منه ما يلهي.
قال الخطابي رحمه الله : " أما الصلاة إلى
المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد بن حنبل وذلك من أجل أن كلامهم يُشغل
المصلي عن صلاته. " عون المعبود 2/388
أما أدلة النهي عن الصلاة خلف النائم فقد ضعّفها عدد من أهل العلم منهم أبو
داود في سننه كتاب الصلاة : تفريع أبواب الوتر : باب الدعاء ، وابن حجر في
فتح الباري شرح باب الصلاة خلف النائم : كتاب الصلاة
وقال البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه : باب الصلاة خلف النائم ، وساق
حديث عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على
فراشه.. صحيح البخاري : كتاب الصلاة
" وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي
المصلي عن صلاته.." فتح الباري الموضع السابق.
فإذا أُمن ذلك فلا تُكره الصلاة خلف النائم والله أعلم.
(25) عدم الانشغال بتسوية الحصى :
روى البخاري رحمه الله تعالى عن معيقيب رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب
حيث يسجد قال : إن كنت فاعلا فواحدة) فتح الباري 3/79
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لا تمسَح
وأنت تصلي فإن كنتَ لا بدَّ فاعِلا فواحدة) يعني تسوية الحصى. رواه
أبو داود رقم 946 و هو في صحيح الجامع رقم 7452
والعلة في هذا النهي ؛ المحافظة على الخشوع ولئلا يكثر العمل في الصلاة.
والأَولى إذا كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية فليسوه قبل الدخول في الصلاة.
ويدخل في الكراهية مسح الجبهة والأنف
وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في ماء وطين وبقي أثر ذلك في جبهته ولم
يكن ينشغل في كل رفع من السجود بإزالة ما علق فالاستغراق في الصلاة والخشوع
فيها ينسي ذلك ويشغل عنه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن في الصلاة شغلا) رواه البخاري فتح الباري 3/
72 ،
وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال : ما أحب أن لي حمر النعم وأني
مسحت مكان جبيني من الحصى. وقال عياض : كره السلف مسح الجبهة في الصلاة قبل
الانصراف. الفتح 3/ 79. يعني الانصراف من الصلاة.
وكما أن المصلي ينبغي أن يحترز مما يشغله عن صلاته كما مرّ في النقاط
السابقة فكذلك عليه أن يلتزم بعدم التشويش على المصلين الآخرين ومن ذلك :
(26) عدم التشويش بالقراءة على الآخرين :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (ألا إن
كلكم مناج ربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة)
أو قال (في الصلاة) رواه أبو داود 2 /83 و هو في صحيح الجامع رقم 752 وفي
رواية (لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)
رواه الإمام أحمد 2/36 وهو في صحيح الجامع 1951.
(27) ترك الالتفات في الصلاة :
لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما
لم يلتفت ، فإذا التفت انصرف عنه) رواه أبو داود رقم 909 وهو في
صحيح أبي داود.
والالتفات في الصلاة قسمان :
الأول : التفات القلب إلى غير الله عز وجل.
الثاني : التفات البصر ،
وكلاهما منهي عنه وينقص من أجر الصلاة ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : (اختلاس
يختلسه الشيطان من صلاة العبد) رواه البخاري : كتاب الأذان باب :
الالتفات في الصلاة.
" ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو قلبه مثل رجل استدعاه السلطان فأوقفه
بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينا
وشمالا ، وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به لأن قلبه ليس
حاضرا معه فما ظنّ هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟.
أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من
عينيه ، فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في
صلاته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته
وذلت عنقه له ، واستحيى من ربه أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه وبين
صلاتيهما كما قال حسان بن عطية : إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة ،
وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض ، وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه
على الله عز وجل والآخر ساه غافل." الوابل الصيب لابن القيم. دار البيان ص
: 36.
و أما الالتفات " لحاجة فلا بأس به ،
روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال : (ثوب بالصلاة - صلاة الصبح - فجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب). قال أبو داود : (وكان أرسل فارسا من الليل إلى الشعب يحرس).
وهذا كحمله أمامة بنت أبي العاص ،.. وفتحه الباب لعائشة ونزوله من المنبر
لما صلى بهم يعلمهم ، وتأخره في صلاة الكسوف ، وإمساكه الشيطان وخنقه لما
أراد أن يقطع صلاته ، وأمره بقتل الحية والعقرب في الصلاة ، وأمره بردّ
المار بين يدي المصلي ومقاتلته ، وأمره النساء بالتصفيق وإشارته في الصلاة
وغير ذلك من الأفعال التي تُفعل لحاجة ، ولو كانت لغير حاجة كانت من العبث -
المنافي للخشوع - المنهي عنه في الصلاة ". مجموع الفتاوى 22/559.
(28) عدم رفع البصر إلى السماء :
وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله صلى الله عليه وسلم : (إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء ،
أن يلتمع بصره) رواه أحمد 5/ 294 وهو في صحيح الجامع رقم 762 وفي
رواية : (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء
في صلاتهم [ وفي رواية : عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة
رواه مسلم رقم 429. فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفن
أبصارهم) رواه الإمام أحمد 5/ 258 وهو في صحيح الجامع 5574.
(29) أن لا يبصق أمامه في الصلاة :
لأنه مما ينافي الخشوع في الصلاة والأدب مع الله لقوله صلى الله عليه و سلم
: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَل وجهه فإن
الله قِبَل وجهه إذا صلى). رواه البخاري في صحيحه رقم 397
و قال : (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق
أمامه ، فإنما يناجي الله - تبارك و تعالى - ما دام في مصلاه ، ولا عن
يمينه فإن عن يمينه ملكا ، و ليبصق عن يساره ، أو تحت قدمه فيدفنها)
رواه البخاري : الفتح رقم 416 1/512
وقال : (إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي
ربه ، وإن ربه بينه و بين قبلته ، فلا يبزقن أحدكم في قبلته ، ولكن عن
يساره أو تحت قدمه) رواه البخاري الفتح الباري رقم 417 1/513
وإذا كان المسجد مفروشا بالسجاد ونحوه كما هو الغالب في هذا الزمان فيمكنه
إذا احتاج أن يُخرج منديلا ونحوه فيبصق فيه ويردّه.
(30) مجاهدة التثاؤب في الصلاة :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إذا تثاءَب
أحدُكم في الصلاة فليكظِم ما استطاع فإن الشيطان يدخل). رواه مسلم
4/2293. وإذا دخل الشيطان يكون أقدر على التشويش على خشوع المصلي بالإضافة
إلى أنه يضحك من المصلي إذا تثاءب.
(31) عدم الاختصار في الصلاة :
عن أبي هريرة قال : (نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الاختصار في الصلاة) رواه أبو داود رقم 947 وهو في صحيح
البخاري كتاب العمل في الصلاة ، باب الخصر في الصلاة. والاختصار هو أن يضع
يديه على خصره.
فعن زياد بن صبيح الحنفي قال : صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي
فضرب يدي فلما صلى قال هذا الصّلب في الصلاة وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ينهى عنه رواه الإمام أحمد 2/ 106 وغيره وصححه الحافظ العراقي في
تخريج الإحياء : أنظر الإرواء 2/94
وقد جاء في حديث مرفوع أن التخصّر راحة أهل النار والعياذ بالله رواه
البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا. قال العراقي : ظاهر إسناده الصحة
(32) ترك السدل في الصلاة :
لما ورد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم (نهى
عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه). رواه أبو داود رقم 643 و
هو في صحيح الجامع رقم 6883 و قال حديث حسن في عون المعبود 2/347 قال
الخطّابي : السدل ؛ إرسال الثوب حتى يصيب الأرض. ونقل في مرقاة المفاتيح
2/236: السدل منهي عنه مطلقا لأنه من الخيلاء وهو في الصلاة أشنع وأقبح.
وقال صاحب النهاية : أي يلتحف بثوبيه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد. وقيل
إن كانت اليهود تفعله. وقيل السدل : أن يضع الثوب على رأسه أو كتفه ويرسل
أطرافه أمامه أو على عضديه فيبقى منشغلا بمعالجته فيخلّ بالخشوع بخلاف ما
لو كان مربوطا أو مزررا لا يُخشى من وقوعه فلا يُشغل المصلي حينئذ ولا
ينافي الخشوع. ويوجد في بعض ألبسة الناس اليوم من بعض الأفارقة وغيرهم وفي
طريقة لبس بعض المشالح والأردية ما يبقي المصلي مشغولا في أحيان من صلاته
برفع ما وقع أو ضم ما انفلت وهكذا فينبغي التنبه لذلك.
أما النهي عن تغطية الفم فمن العلل التي ذكرها العلماء في النهي عنه أنه
يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود مرقاة المفاتيح 2/236
(33) ترك التشبه بالبهائم :
لمّا أن الله كرّم ابن آدم وخلقه في أحسن تقويم ، كان من المعيب أن يتشبه
الآدمي بالبهائم وقد نهينا عن مشابهة عدد من هيئات البهائم وحركاتها في
الصلاة لما في ذلك من منافاة الخشوع أو قبح الهيئة التي لا تليق بالمصلي
فمما ورد في ذلك : (نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الصلاة عن ثلاث : عن نقر الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل
المقام الواحد كإيطان البعير) رواه أحمد 3/428 قيل معناه أن يألف
الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يُغير مناخه
فيوطنه الفتح الرباني 4/91 وفي رواية : (نهاني عن
نقرة كنقرة الديك ، وإقعاء كإقعاء الكلب ، والتفات كالتفات الثعلب.)
رواه الإمام أحمد 2/311 وهو في صحيح الترغيب رقم 556
هذا ما تيسر ذكره من الأسباب الجالبة للخشوع لتحصيلها والأسباب المشغلة عنه
لتلافيها
وإن من عِظم مسالة الخشوع وعلوّ قدرها عند العلماء أنهم ناقشوا القضية
التالية
مسألة : فيمن كثرت الوساوس في صلاته ، هل تصح أم عليه الإعادة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
فإن قيل ما تقولون في صلاة من عدِم الخشوع ، هل يعتد بها أم لا ؟
قيل : أما الاعتداد بها في الثواب : فلا يعتد بها ، إلا بما عقل فيه منها ،
و خشع فيه لربه.
قال ابن عباس : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها.
و في المسند مرفوعا : إن العبد ليصلي الصلاة ، و لم يكتب له إلا نصفها ، أو
ثلثها أو ربعها حتى بلغ عشرها.
فقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم ، فدل على أن من لم يخشع فليس
من أهل الفلاح ، و لو اعْتُدَّ له بها ثوابا لكان من المفلحين. و أما
الاعتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء فإن غلب عليها الخشوع و تعقلها
اعتد بها إجماعا ، و كانت من السنن و الأذكار عقيبها (بعدها) جوابر و مكملات لنقصها.
وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها وعدم تعقلها فقد اختلف الفقهاء في وجوب
إعادتها ، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد. ومن هذا أيضا اختلافهم في
الخشوع في الصلاة وفيه قولان للفقهاء ، وهما في مذهب أحمد وغيره.
وعلى القولين : اختلافهم في وجوب الإعادة على من غلب عليه الوسواس في صلاته
، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد ولم يوجبها أكثر الفقهاء.
واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو
ولم يأمره بالإعادة مع قوله : (إن الشيطان يأتي
أحدكم في صلاته فيقول : أذكر كذا ، أذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يُضل
الرجل أن يدري كم صلى).
ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا ثواب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه
وخضوعه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (إن العبد
لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها ، ثلثها ، ربعها ، حتى بلغ عشرها)
وقال ابن عباس : (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت
منها) فليست صحيحة باعتبار ترقب كمال مقصودها عليها وإن سميت صحيحة
باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة. مدارج السالكين 1/112
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال : (إذا أذن المؤذن بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، حتى
لا يسمع التأذين ، فإذا قضى التأذين أقبل ، فإذا ثوب بالصلاة أدبر ، فإذا
قضى التثويب أقبل ، حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا اذكر كذا ،
ما لم يكن يذكر ، حتى يظل لا يدري كم صلى ، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد
سجدتين وهو جالس). قالوا : فأمره النبي في هذه الصلاة التي قد أغفله
الشيطان فيها ، حتى لم يدر كم صلى بأن يسجد سجدتي السهو ، ولم يأمره
بإعادتها ، ولو كانت باطلة - كما زعمتم - لأمره بإعادتها.
قالوا : وهذا هو السر في سجدتي السهو ، ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد ،
وكونه حال بينه وبين الحضور في الصلاة ، ولهذا سماها النبي المرغمتين.
مدارج السالكين 1/528-530
فإن أردتم وجوب الإعادة : لتحصل هذه الثمرات والفوائد فذاك كله إليه إن شاء
أن يحصلها وإن شاء أن يفوتها على نفسه.
وإن أردتم بوجوبها أنا نلزمه بها ونعاقبه على تركها ونرتب عليه أحكام تارك
الصلاة فلا.
وهذا هو أرجح القولين. والله أعلم.
خاتمة
أمر الخشوع كبير ، وشأنه
خطير ، ولا يتأتى إلا لمن وفقه الله لذلك ، وحرمان الخشوع مصيبة كبيرة وخطب
جلل ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : (اللهم إني أعوذ
بك من قلب لا يخشع..) رواه الترمذي 5/ 485 رقم 3482 وهو في صحيح سنن
الترمذي 2769
الخميس مايو 09, 2013 10:32 pm من طرف قداري محمد
» استخدام طريقة العروض العملية في تدريس العلوم
الخميس أبريل 18, 2013 10:26 am من طرف قداري محمد
» Ten ways to improve Education
الخميس فبراير 21, 2013 8:44 am من طرف بشير.الحكيمي
» مقتطفات من تصميم وحدة الإحصاء في الرياضيات
الثلاثاء يناير 29, 2013 8:30 am من طرف بشير.الحكيمي
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء يناير 02, 2013 7:49 am من طرف انور..الوحش
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء ديسمبر 19, 2012 10:00 am من طرف محمدعبده العواضي
» الواجبات خلال الترم 5
السبت أكتوبر 06, 2012 11:12 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم4
السبت أكتوبر 06, 2012 11:11 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم3
السبت أكتوبر 06, 2012 11:10 pm من طرف بشرى الأغبري