أولاً : مشكلة الدراسة ومنهجيتها وخطة السير فيها
1- مقدمة الدراسة
تعيش المجتمعات اليوم عصر التقدم العلمى والتكنولوجى، وعليها لكى تواجه تحديات هذا العصر أن تهتم بتنمية شخصيات أفرادها تنمية شاملة لإعدادهم إعداداً يمكنهم من التفاعل الجاد الفعال مع متغيرات هذا العصر. ويتطلب هذا الإعداد ضرورة الاهتمام بالتربية الإبداعية لدى الطلاب بمدارس التعليم العام، فليس هناك إبداع بغير مبدعين أى بغير بشر يقومون بعملية الناتج الإبداعي.
وإذا كان العالم قد تحول إلى قرية صغيرة دائمة التغير، فإن على التربية أن تكون متجددة إلى أقصى درجة ممكنة فى أهدافها، ومناهجها، ومعلميها، حتى لا تنعزل عن مجريات الأحداث، وأن تحاول – من خلال عناصرها ووسائطها المختلفة – بناء الشخصية المبدعة التى لا تتابع الجديد فحسب، بل تؤثر فيه وتجد لنفسها مكاناً فى عالم الإبداع (عبد الفتاح حجاج، 1995، ص 10). ولقد بات مؤكداً أهمية بناء هذه الشخصية المبدعة فى أى مجال من مجالات الحياة.
كما يعتمد تقدم الأمم على إمكانياتهم المادية والبشرية، ومن ضمن الإمكانيات البشرية الأفراد المبدعون الذين لديهم القدرة على التفكير الابتكارى فى مواجهة المشكلات بشكل جديد فى جميع ميادين الحياة. وفى هذا الصدد أشار تورانس(Torrance, 1988) إلى أهمية الإبداع تجاه الإسهام فى رفع مستوى رفاهية الأمم والشعوب وتحقيق الرضا لدى الأفراد. كما أن الأخطار التى تواجه البشرية اليوم، والمشكلات التى تواجه الأمم تنعكس على الأفراد، مما يستلزم تقديم حلول إبداعية من أجل تحسين حياة هؤلاء الأفراد ( David, 1994).
كما أن تنمية المواهب لدى الأفراد تعتبر حاجة هامة لدى المجتمعات، وإن لم تتوفر متطلبات تنمية الموهبة طول الحياة للأفراد يمكن أن تضعف هذه الموهبة وتنتهى (Kaufman, 1995). ومن ثم فلا بد من الاهتمام بالتربية الإبداعية لدى الأفراد من أجل أن تتقدم الأمم وتزدهر فى مختلف المجالات.
هذا والإبداع ليس سمة محصورة فى القلة من الناس بل هو قدرة كامنة لدى معظم الأفراد يمكن رعايتها وتطبيعها، ويظهر الإبداع حين يتوفر المناخ النفسى، ونتيجة لعمليات التنشئة الاجتماعية التى يمر بها الفرد خلال مراحل حياته المختلفة. كما يتوقف نتاج التفكير الإبداعى على عدد من العوامل النفسية والاجتماعية والتربوية، والتى تحد من أو تعمل على زيادة إنتاجية الشخص المبدع (محمد عبد السلام سالم، 1997).
وقد أصبحت قضية (التربية الإبداعية) لدى الأفراد بصفة عامة، ولدى طلاب المدارس بصفة خاصة أحد أهم الأهداف التربوية الهامة التى تسعى المجتمعات إلى تحقيقها من خلال برامجها التعليمية فى المدارس (سيد الطواب، 1988). فالتعليم هو سبيل الأمم إلى التقدم والإبداع، ومعبر الأجيال نحو المستقبل. وقد انبثقت مناقشات عديدة فى مجال حاجات هذا القرن من الإبداع والمبدعين، وفى الاستراتيجيات التعليمية والتدريسية اللازمة للتربية الإبداعية بين الطلاب فى مدارس التعليم العام (Maker and Nielson, 1995) ، (Office of Educational Research, 1996 )
كما أشارت بعض الدراسات العلمية إلى أن الفصل واليوم الدراسى العادى هما أكثر الأماكن والأوقات الدراسية ملاءمة للتربية الإبداعية بين الطلاب، بشرط أن تتاح الفرص لكى تنمو موهبة الطالب المبدع، وأن يؤثر المعلم إيجابياً فى تنمية التفكير لدى طلابه، وأن تتوفر الأنشطة التربوية المناسبة لكى تتقابل الاحتياجات ويتحقق المردود (Fraizer, 1993)، (Grant, 1995)، (Adams, 1997).
وهكذا تعود دعوة فاخر عاقل ( 1983 ) إلى جعل الهدف الرئيسى من التربية والتعليم يجب أن يكون تعليم الطلاب كيف يفكرون بطريقة بناءة، وبالشكل الذى يساعد على الإبداع. وفى هذا المجال يرى عبد السلام عبد الغفار ( 1997 ، ص 9 ) أننا نستطيع أن ننمى ما لدى الأبناء من قدرات إبداعية عن طريق ما نقدمه لهم فى المدارس من تربية، فهناك العديد من البرامج التى تهدف إلى تنمية قدرات الإبداع لدى الطلاب، كما يمكن إكساب الطالب مهارة إبداعية عن طريق التدريب، فيتميز الطالب بمستوى مرتفع من القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار التى ترتبط. بموقف أو بمثير معين فى فترة زمنية محددة مع تميز هذا الطالب بالقدرة على الانتقال من نوع من الأفكار إلى نوع آخر منها، مما يعطى الفرصة فى ظهور فكرة أصيلة سواء أكانت الأصالة فى صورة ندرة أو مهارة.
وإذا كان للتعليم هذه الأهمية فى التربية الإبداعية بين الطلاب، فالبيئة المدرسية من بين عناصر التعليم المختلفة – تحظى بالأهمية الأكبر فى هذه القضية، ودورها واضح وجلى فى هذا المضمار (Ford, and Others, 1997). فالبيئة المدرسية يفترض أن تهتم بتوفير المواقف التى تجعل الطالب ينتج عدة إجابات متنوعة لمشكلة ما، بالإضافة إلى الاهتمام بالمواقف والمشكلات التى تتطلب استجابةً واحدة أو نتيجة واحدة صحيحة، والمعلم كعنصر رئيسى فى البيئة المدرسية مطالب مهنياً أن يفهم قدرات طلابه، وأن يتعرف على حاجاتهم وميولهم، وأن ينمى جوانب الإبداع لديهم (Merickel, 1992).
وقد أكدت نتائج دراسة كوبر (Cooper, 1995) أهمية تقديم أنشطة تربوية ثرية ومتنوعة – من خلال البيئة المدرسية – لتقابل احتياجات الطلاب المبدعين فى مراحل التعليم العام. كما يرجى من المعلم أن يُعلم ويُربى ويُرشد ويُقيم، وأن يظهر مقدرته على تنمية ذاته، وأن يشارك فى تحديث المدرسة وجعلها أكثر تقبلاً للتغيير وتفاعلاً معه، تيسيراً للتعلم، بالإضافة إلى تنمية الإبداع لدى الطلاب (منظمة الأمم المتحدة للتربية، 1996). كما أن المعلم يجب أن يتحول إلى مرشد إلى مصادر المعرفة المختلفة ومنسق لعمليات التعليم ومصحح لأخطاء المتعلم، ومقوم لنتائج التعلم، وموجه إلى ما يناسب قدرات كل متعلم (Forgarty, 1993).
وقد ظهرت فى السنوات القليلة الماضية توجهات عالمية تدعو إلى التعليم الجيد لجميع الطلاب – المبدعين منهم والعاديين - تحقيقاً لمبادئ المساواة التعليمية. فقد نادى (توملنسون) (Tomlinson, 1996) بضرورة توفير بدائل التعليم الجيد لكافة الطلاب فى مراحل التعليم، مهما تمايزت قدراتهم وبيئاتهم، من أجل توفير المساواة بينهم، إلى جانب التواصل بين برامج التربية العامة، وبرامج تربية الموهوبين فى مدارس التعليم العام. كما أوضح (جونسون) (Gohnsen, 1996) مدى أهمية تضمين البرامج التربوية أنشطة إثرائية مقصودة تلبى احتياجات الطلاب الموهوبين أثناء دراستهم فى مراحل التعليم المختلفة. أيضاً أظهرت ملاحظات عن الإصلاح التربوى مدى أهمية التعليم التعاونى بين الطلاب من أجل تلافى الآثار الاجتماعية الناشئة عن تصنيف الطلاب إلى موهوبين وعاديين. فالتعليم التعاونى قد يلبى احتياجات تربية الموهوبين فى مدارس التعليم العام ( Gallagher and others, 1995 ).
وهكذا أصبح للبيئة المدرسية أهمية متزايدة وشأناً أكبر فى مجال التربية الإبداعية بين الطلاب فى مدارس التعليم العام، والتى أصبحت بدورها ضرورة حتمية لمواجهة متطلبات المستقبل واحتياجاته.
وتأتى هذه الدراسة لتناقش نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية فى مدارس التعليم العام، فالقاعدة الأساسية لتنمية الإبداع لدى الطلاب تكمن فى توفير بيئة مدرسية فعالة فى هذا المجال.
2- مشكلة الدراسة:
رغم أهمية البيئة المدرسية فى التربية الإبداعية بين الطلاب، فإن بعض الدراسات العلمية أظهرت أن الكثيرين من القائمين بشئون التربية والتعليم لا يدركون القوانين الأساسية للإبداع، بالإضافة إلى أن معظم الأنشطة التربوية فى المدارس تتجه غالباً فى طريق يتعارض مع نمو التفكير الابتكارى (أحمد عباده، 1986)، (سناء محمد سليمان، 1993). وفى الوقت نفسه بات من المؤكد أن وظيفة التربية والتعليم فى مدارس التعليم العام تكمن فى تطوير الإنسان المبدع القادر على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، فقد أوضحت إحدى الدراسات ( Krulik, 1994) أن من أهم أهداف التربية هى مساعدة الطلاب على اكتشاف قدراتهم الإبداعية، والعمل على استثارتها وتوظيفها، ودعم اتجاهاتهم الإيجابية نحو التفكير الابتكارى. كما أظهرت دراسة أخرى (جيمس كييف، 1995) أن تنمية مهارات التفكير ليست بالعملية السهلة، وتحتاج إلى بيئة مدرسية ملائمة. فى حين أظهرت دراسة (وودس)( Woods, 1991) إمكانية تعلم وتعليم مهارات التفكير الابتكارى عن طريق فهم أسلوب حل المشكلات فى بيئة محددة والتعرف على الأفكار الإبداعية بها. فالبيئة المدرسية التى توفر لطلابها المناخ النفسى الملائم، وتشجعهم على البحث والاستقصاء وفرص التفكير المتعمق فإنما توفر لهم فرص التربية الإبداعية وإيجاد الحلول الابتكارية للمشكلات التى تواجههم. كما نادت دراسة (كارول) (Carroll, 1991) بأهمية أن يتعرف المعلم على عوامل التفكير الابتكارى لدى الطلاب الموهوبين فى الفصول الدراسية. ومن الضرورى أن ينمى المعلم ما لدى الطلاب من قدرات للتفكير الابتكارى عن طريق التدريب على مهارات خاصة فى استخدام هذه القدرات، مما يرفع مستوى الطلاب على الإنتاج الإبداعى فى المستقبل.
وهكذا فلكى نرعى الإبداع وننميه لدى طلابنا، فنحن نحتاج إلى بيئة مدرسية ملائمة لتحقيق هذا الأمر، ببيئة مدرسية لازمة لإثراء العلم والتعليم لدى الطلاب بما يؤدى إلى تنمية العملية الإبداعية لديهم. وقد نادت بعض الدراسات الحديثة فى هذا المجال بأهمية تدريب العاملين بالمدارس على أدوار فعالة لتحقيق أهداف التربية الإبداعية. وقد تطورت البرامج والتدريبات الصفية فى تعليم الموهوبين، وظهرت محاولات لإصلاح مدارس التعليم العام لتتوازن مع متطلبات تعليم الموهوبين من بين طلابها. ومن ثم لا بد أن تصبح البيئة المدرسية فعالة فى التربية الإبداعية لدى هؤلاء الطلاب (Office of Educational Research, 1995) ، (Van- Ert, and Wolf, 1996).
وهكذا تحددت مشكلة الدراسة الحالية فى ضرورة توضيح نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب بين دائرة ما ينبغى أن يكون نظرياً (من خلال تحليل الرؤى فى الأدبيات التربوية المعاصرة)، وبين الواقع. وقد اختارت هذه الدراسة مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى (سوهاج وقنا وأسوان) لتحديد نمط هذه البيئة المدرسية فى هذه القضية وكما يدركها المعلمون أنفسهم وطلابهم.
3- تساؤلات الدراسة:
حاولت الدراسة الإجابة عن التساؤلات التالية :
أ - ما شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب؟، وما إسهامات البيئة المدرسية فى توفير هذه الشروط؟.
ب- ما واقع إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى؟.
جـ- ما نمط البيئة المدرسية المقترح لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مدارس التعليم العام؟.
4- أهداف الدراسة:
تمشياً مع التوجهات المعاصرة فى التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مدارس التعليم العام تهدف هذه الدراسة إلى تقديم رؤية تقويمية حول نمط البيئة المدرسية اللازمة فى هذا المجال. ويتحقق هذا الهدف من خلال عدة أهداف فرعية تمثلت فى التعرف على شروط التربية الإبداعية بين طلاب التعليم العام، بالإضافة إلى التعرف على وجهة النظر الموضوعية حول نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير هذه الشروط لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادي. وتأتى وجهة النظر الموضوعية حول هذا الموضوع من خلال تجميع وجهات نظر المعلمين والطلاب كعناصر رئيسة فى البيئة المدرسية:
- فالمعلم يقع فى أفضل موقع لإبراز أدواره فى التربية الإبداعية لدى الطلاب، وذلك من خلال إستبطان مقاصد المعلم وأهدافه من ممارساته التربوية مع طلابه.
- ويقع الطلاب فى أفضل موقع لتحديد نمط البيئة المدرسية اللازمة فعلاً لتوفير شروط التربية الإبداعية لديهم.
5- خطة السير فى الدراسة :
جاءت هذه الدراسة فى أربعة أجزاء هى :
الجزء الأول : وفيه تم تناول مشكلة الدراسة وتساؤلاتها وأهدافها، بالإضافة إلى مصطلحات الدراسة ومنهجيتها وأدواتها البحثية ومنطلقاتها الأساسية وأهميتها. .
أما الجزء الثانى : فقد ناقش شروط التربية الإبداعية وإسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها من خلال تحليل نتائج الأبحاث والدراسات والأدبيات التربوية السابقة فى هذا المجال.
وعرضت الدراسة فى جزئها الثالث، الواقع الحالى لإسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادي.
أما الجزء الرابع فقد عرض فيه التصور المقترح لنمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مصر.
6- مصطلحات الدراسة:
التربية الإبداعية:
بداية اختلفت الرؤى وتباينت حول معنى الإبداع، فيرى (مراد وهبة) (1996، ص ص 51–53) أن الإبداع هو سلسلة من النشاطات المنتظمة، والموجهة نحو هدف محدد. وهذه العملية تمكن العقل – فى النهاية – من تكوين علاقات جديدة، وإحداث شئ على غير مثال مسبوق، على أن يكون للمنتج الجديد فائدة للفرد والمجتمع. ويضيف (مراد وهبة) (1998، ص 33) أن الإبداع هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة، من أجل تغيير الواقع، مما يؤدى إلى التقدم.
والإبداع – من وجهة نظر (عبد الفتاح تركى) (1996، ص ص3-4) - هو خاصية من خواص العقل البشرى حينما تتوفر له شروط التكوين الصحيح، خاصية يمكن إكسابها للإنسان بالتربية التى تتم فى ظروف مواتية للعمل الحر غير المسبوق والمبادرة الذكية للإنسان فى مواجهة التحديات والمواقف الجديدة.
وترى بعض الدراسات الأخرى أن الإبداع مظهر من مظاهر الابتكار، أو شكل من أشكال التفوق، وهو يشير إلى أولئك الأفراد الذين لديهم القدرة على الإتيان بأشياء جديدة ومبتكرة (Naval – Severino, 1993) ، (Gonen, 1993). وهذه الأمور المبتكرة قد تكون تفسيراً لظاهرة فيزيائية أو حلاً لمسألة رياضية ( Loewen, 1995) ، (Zielinski, 1994) ، أو تعليلاً لظاهرة اجتماعية (Barbara, 1991). وقد يكون هذا الشيئ المبتكر تصميماً حديثاً لآلة معنية ( Welch, 1996) ، أو تصميماً للوحة فنية (Sapp, 1995). وقد يكون الإبداع فى نظم قصيدة شعرية أو فى كتاب قصة أدبية (Okagaki, 1987)، (مها زحلوق، 1997).
ويرى (عبد السلام عبد الغفار) (1997، ص ص 6 – 7) أن الإبداع يعنى الابتكار، وهو ظاهرة إنسانية متعددة الجوانب وتتحدد بنتائجها، وهذه الظاهرة الإبداعية (أو الابتكارية) تتصف بثلاث صفات هى الجدة والمغزى (أو المعنى) واستمرارية الأثر. والجدة أمر نسبى يتحدد فى ضوء ما هو معروف ومتداول فى مجال معين من مجالات الحياة، وبين أفراد جماعة معينة فى زمن معين. والناتج الإبداعى له معنى أى قيمة معينة، وهذا الناتج الإبداعى هو وليد عملية تفكير معينة وتحدث هذه العملية فى إطار فكرى معين، والناتج الإبداعى يرتبط بالحقائق التى تحيط بالمبدع، وكلما ازدادت أهمية الناتج الإبداعى ودلالته كان ذلك مؤشراً لمدى ارتباطه بحياة الفرد والجماعة. ويرتبط بمغزى الناتج ومعناه وأهميته بالصفة الثالثة للناتج الابتكارى وهى استمرارية آثار الناتج، وكلما استمرت الآثار المترتبة على الناتج الإبداعى كان ذلك دليلاً على أهميته ومعناه بالنسبة إلى مجاله، وبقدر ما يمثل الناتج الإبداعى إضافة أساسية بقدر ما تستمر آثاره، وبقدر ما يتناول الناتج الإبداعى تطويراً أو تعديلاً جوهرياً فى مجاله بقدر ما تنتشر وتستمر آثاره.
ومما سبق ترى هذه الدراسة أن الإبداع هو نتاج نشاط عقلى ووظيفى لشخص يتواجد فى بيئة معينة ترعى هذا النتاج، وهذا النتاج يأتى فى مجال اكتشاف ما هو جديد، ولا يظهر ما لم تتوافر بنية معرفية وعوامل عقلية وسمات شخصية للشخص المبدع، بالإضافة إلى توافر مجموعة من العوامل الدافعية والبيئية التى يعيشها الفرد الموهوب وتدفعه إلى الإبداع وتسمح له بتقديم الأشياء المبتكرة وذلك فى المجال الذى يبدع فيه أو الذى يظهر إبداعه فيه.
ويرتبط بالإبداع مفهوم التفكير الابتكارى، حيث يعتبر التفكير الابتكارى أرقى مستويات النشاط المعرفى للإنسان (فؤاد أبو حطب ،1993)، وهو نشاط عقلى يميز الإنسان (مراد وهبه، 1993)، وبسميه البعض " التفكير الإبداعي" (ضياء الدين زاهر، 1990)، (جيمس كييف، 1995)، (فاروق أبو عوف، 1997) ، (محمد عبد السلام سالم، 1997)، وقد يسمى " التفكير المنتج" (عايش زيتون، 1987) ، (صفاء الأعسر، 1997) ، وقد يسمى " التفكير التباعدي" (يوسف قطامى، يوسف حسن، 1998)، وهو يعنى تلك العملية التى ينتج عنها حلول أو أفكار إبداعية وجديدة تخرج عن الأطر المعرفية المعلومة سواء على مستوى الشخص الذى يفكر، أو على مستوى البيئة التى تحيط بهذا الشخص المفكر.
ويشتمل التفكير الابتكارى على ثلاثة عوامل أو قدرات هى قدرة الطلاقة، وقدرة المرونة، وقدرة الأصالة (عبد السلام عبد الغفار، 1997، ص 9)، وتضاف قدرة رابعة إلى هذه القدرات هى إتمام التفاصيل أو الإتقان ( Woods, 1996).
وهكذا فإن امتلاك الفرد لقدرات التفكير الابتكارى تجعله متميزاً بمستوى مرتفع من القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار التى ترتبط بموقف أو بمثير معين فى فترة زمنية محدودة (الطلاقة) مع تميز هذا الفرد بالقدرة على الانتقال من نوع من الأفكار إلى نوع أخر منها (المرونة)، مما يعطى الفرصة فى ظهور فكرة أصلية، سواء أكانت (الأصالة) فى صورة ندرة أو مهارة أو ارتباط بعيد (عبد السلام عبد الغفار، 1997).
وقد أوضح (سعيد إسماعيل على) (1995، ص ص 18 – 19) أن التربية تعنى تلك العملية التى عن طريقها نقوم بتنمية جوانب الشخصية الإنسانية فى مستوياتها المختلفة. ذلك أنه شاع بين المتخصصين أن للشخصية مستويات ثلاثة : المستوى الأول، هو مستوى الوعى والإدراك المعرفى، والمستوى الثانى، هو مستوى العاطفة والوجدان، والمستوى الثالث هو مستوى الحركة والمهارة. ويتم تنمية الجانب المعرفى للإنسان عن طريق تزويده بكم من المعلومات والمعانى والمفاهيم والحقائق، فضلاً عما يرتبط بهذا من حيث طريقة التفكير ومنهج البحث وأساليب الربط والاستنتاج والاستنباط والتحليل والنقد. أما المستوى الثانى فيشتمل على الميول والاتجاهات والقيم. أما المستوى الثالث، فهو مستوى حركى، يتصل بالمهارات العملية المختلفة.
وقدمت (صفاء الأعسر) (1997، ص 2) مفهومين فى التربية، المفهوم الأول يتمحور حول تحصيل المعارف والمهارات التى تنمى قدرات البشر على مواجهة مشكلات ومعطيات محددة فى إطار حياة مستقرة ومواقف متكررة. أما التربية من أجل التجديد فهى تضع كل المعطيات – حتى أكثرها استقراراً – موضوع الاختبار، وهى التى تعد الإنسان لما ينتظره من تحديات وتغيرات تخلخل كثيرا من الثوابت.وهنا يصبح المعنى الحقيقى للتربية هو تنمية بشر مبدع قادر على استشراف المستقبل وتشكيله، بالإضافة إلى تقبله والتواؤم معه.
ويرى (رياض الدباغ) (1997 ،ص1) أن التربية تعتبر عملية حياتية اجتماعية لا تقتصر على مفاهيم التدريب والتعليم والتأهيل فحسب ، بل تشمل حركة الحياة وإبداعات الإنسان فى إطار المجتمع طيلة حياته.
ومن ثم ترى هذه الدراسة أن "التربية الإبداعية" تعنى تلك العملية التى عن طريقها نقوم بتنمية جوانب الشخصية الاجتماعية لكى تصبح مرنة ومتقبلة لذاتها ، وقادرة على امتلاك قدرًا من الاستقلالية والاكتفاء الذاتى والحساسية تجاه المشكلات. تلك الشخصية الاجتماعية التى تصبح -نتيجة تأثير البيئة المدرسية المتحررة من القوالب الجامدة على هذه الشخصية الاجتماعية– متميزة بارتفاع مستوى طموحها وتعدد ميولها وتميزها فى امتلاك قدرات الطلاقة والمرونة والأصالة والإتقان بالصورة التى تحقق لهذه الشخصية الاجتماعية القدرة الإبداعية على العمل المنتج الهادف فى جميع المجالات، وبما يتمشى مع مواهبها.
7- منهج الدراسة وأدواتها :
اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفى التحليلى فى جمع البيانات وتحليلها، باعتباره أنسب الأساليب المنهجية لمثل هذه الدراسات التحليلية. فمن المعروف أن للدراسات الوصفية التحليلية غرضاً تقويمياً وتطويرياً، حيث يقوم الباحث بالتعرف على الواقع بهدف التقويم والإسهام فى التفسير والتطوير.
ومن أجل الاعتماد على هذا المنهج الوصفى التحليلى فى تحديد نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب بمدارس التعليم العام تم استخدام المدخل التعددى لجمع البيانات فى البحث العلمي(Triangulation Approach) ، وهذا المدخل يعتمد على طريقتين أو أكثر فى جمع البيانات، بقصد دراسة عنصر ما فى السلوك الإنسانى (لويس كوهين، لورنس مانيون، 1990، ص 299).
وقد اختارت هذه الدراسة المقابلة الشخصية المقيدة، والاستبانة كأداتين لجمع المعلومات من أفراد البيئة المدرسية من المعلمين الأوائل، والمعلمين، والطلاب عن واقع إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مدارس التعليم العام. بمحافظات جنوب الوادي.
وهكذا فإن تطبيق أداتى الدراسة على عينة من المعلمين الأوائل، والمعلمين والطلاب أثناء جمع المعلومات يحقق شرط المدخل التعددى كأحد الأساليب المنهجية الهامة فى تقصى الواقع عن إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب وأدوار المعلمين والأنشطة والمناهج فى هذا المجال.
8- منطلقات الدراسة :
ترتكز الدراسة الحالية على عدة منطلقات هى :
- أن كل فرد يمتلك إمكانات إبداعية أو ابتكارية، ومن المهم أن ندرك أن الإبداع أو الابتكار ليس بالإمكان تدريسه فى مراحل التعليم المختلفة، ولكن بالإمكان أن نهيئ المدخل والظروف للمتعلمين لاستغلال وتوظيف إمكاناتهم الإبداعية أو الابتكارية (محمد متولى رمضان، 1996، ص ص 15-16).
- الإبداع أو الابتكار سمة هامة وضرورية للفرد فى أوجه نشاطه اليومى، حيث يأتىمن خلالها الروائع الفنية والعلمية والتكنولوجية والأدبية فى شتى المجالات. ومن ثم ينبغى أن تؤدى البيئة المدرسية دورا فى زيادة قدرة الطلاب على الإبداع عن طريق إتاحة الفرص لزيادة قدرتهم على حل المشكلات القائمة والمحتملة وعن طريق الاستكشاف ومن خلال تنمية قدرات التفكير الابتكارى.
- الإبداع أو الابتكار عملية يمكن وصفها وتحديد متطلباتها، ويمكن تدريب الطلاب على ممارستها بهدف زيادة قدراتهم الإبداعية. ويتطلب هذا الأمر أن تقوم البيئة المدرسية بمساعدة الطلاب على فهم الشروط والأبعاد التى تقوم عليها هذه العملية الإبداعية تمهيدا لإكسابهم القدرة الإبداعية فى إيجاد الحلول للمشكلات التى تواجههم كأفراد أو جماعات فى مستقبل حياتهم.
- الإبداع عبارة عن دلائل واستعدادات للإتيان بحلول جديدة وأفكار أصيلة تجاه العديد من المشكلات، وليس من الضرورى أن يكون المتعلم على درجة عالية من الذكاء لكى يكون مبدعاً. فالإبداع هو قدرة عقلية، شأنه شأن بقية القدرات الأخرى مثل الفهم، والتحليل، والتركيب، والاستنتاج، والقياس، وإدراك العلاقات… إلى غير ذلك مما نكتسبه بالتربية ومن خلال ممارسة هذه القدرات فى المواقف والخبرات المريبة (عبد الفتاح تركى، 1996، ص4). ومن ثم فكل طالب يمكن أن يكون ذا عقل مبدع، حالما توفرت له أسباب صياغة هذا العقل، أى شروط التربية الإبداعية.
- يمكن تربية الإبداع لدى الطلاب من خلال مساعدتهم على ممارسة التفكير الابتكارى فى مواقف واضحة تعين على ذلك – كما تتطلب التربية الإبداعية لدى الطلاب توفير الشروط والأساليب التربوية والإمكانات المادية والبشرية الفاعلة فى مختلف مراحل التعليم، وتأتى قدرات العاملين بالبيئة المدرسية فى مقدمة هذه الإمكانيات، حيث تمثل إسهاماتهم فى هذا المجال أساسيات النجاح فى اكتشاف الطلاب الموهوبين، ونوعية التربية الإبداعية التى يجب أن يتعلمونها وطرق وأساليب تدريسهم ومناهجهم الدراسية، هذا وتنمية الإبداع لدى الطلاب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتنمية قدرات التفكير الابتكارى لديهم، ولا يمكن فصل أدوار البيئة المدرسية فى تحقيق أهداف كل منها، كما لا يمكن فصل متطلبات تنمية التفكير الإبتكارى عن مثيلاتها الخاصة بتنمية الإبداع وتربيته لدى الطلاب.
وقد أشارت العديد من الأدبيات السابقة إلى قوة العلاقة بين "تنمية الإبداع" و " تنمية عوامل التفكير الابتكاري"، فقد تحدث (عبد السلام عبد الغفار) ( 1997، ص 10) عن أن توافر قدرات التفكير الابتكارى (وهى قدرات الطلاقة، والمرونة، والأصالة، والإتقان) بمستوى عال شرط ضرورى ولكنه ليس كافياً لحدوث الإبداع أو الابتكار، ذلك أن الإنتاج الإبداعى أو الابتكارى يحتاج إلى عدد آخر من العوامل الكلية التى تمكن المبتكر من السيطرة على ما يوجد فى مجال ابتكاره، ويحتاج المبتكر إلى عدد من السمات الانفعالية مما يجعل منه فرداً واثقاً فى نفسه، معتمداً على ذاته، مسيطراً، ويحمل قدراً كبيراً من الميل للمغامرة، فالإبداع مغامرة. وتحتاج تنمية هذه السمات والقدرات إلى بيئة تقل فيها الضغوط وعوامل الكف، وتتميز بقدر كاف من المرونة والحرية واحترام وتقدير الإنسان. كما أن مفهوم " تربية الإبداع " تعنى توفير المناخ المناسب الذى يساعد على تطوير الدوافع الداخلية الموجودة لدى أى متعلم إلى طريقة تفكير ابتكارية مثمرة ومتفردة نحو تنشئة الشخصية المبدعة، والتى تتميز بخصائص منها الاستقلال، والقدرة على التعلم الذاتى والدافعية للتعلم (فاطمة فوزى عبد العاطى، 1996 ، ص ص 8 – 9).
أيضاً حين يحبس التفكير فى الأطر الجامدة للعمليات التى يقوم عليها التفكير الابتكارى تختفى كل إمكانية للإبداع، ومن ثم فإن القدرة على الإبداع – باعتبارها قدرة عقلية تكتسب بالتربية – هى مرتبطة بشكل أو بأخر بنمط التفكير الابتكارى (عبد الفتاح تركى، 1996، ص 4).
- تتطلب التربية الإبداعية لدى الطلاب توفير المناخ النفسى الخالى من التهديد والتخويف داخل البيئة المدرسية، إلى جانب توفير الإمكانات المادية من أدوات وأجهزة وكتب إضافية وغيرها ممن يحتاجه الطالب فى سعيه للإبداع أو الابتكار. كما تتطلب هذه التربية قدرات خاصة من العاملين فى هذه البيئة المدرسية على ممارسة أساليب البحث والاستقصاء والاستكشاف وحل المشكلات فى تنظيم التعلم.
9- أهمية الدراسة :
تنبع أهمية هذه الدراسة من خلال النقاط التالية :
- تأكيد الفكر التربوى المعاصر فى معظم دول العالم على أهمية التربية الإبداعية لدى الطلاب الموهوبين فى مراحل التعليم العام عن طريق تهيئة المناخ التربوى الذى ينمى هذه المواهب ويصقلها فى الفصول الدراسية العادية إلى أقصى حد ممكن أن توصلهم إليه مواهبهم وقدراتهم – ذلك أن تقدم المجتمعات الإنسانية وازدهارها يتوقف على مدى فعالية ونشاط ذوى المواهب والقدرات على الإبداع والابتكار إلى حد كبير (Ryser and Johnsen, 1996) ،(Fiedman and Lee, 1996) ، (Sapan – Shevin, 1996).
- إن أحد مشاهد المستقبل – كما يراها (أحمد الصيداوي) (1997، ص ص 13-14) تتضمن عصر التواصل والتعاون الذى يعيد التقدير والاحترام للإبداع وللمبدعين. وفى هذا العصر – عصر التواصل والتعاون – تتمحور التربية حول المتعلم، ويتخذ العاملون بالبيئة المدرسية أدوار الميسرين للتعلم، والمشجعين على الحوار والتفاعل والإبداع والابتكار. ولا شك أننا فى أمس الحاجة إلى معرفة واقع إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى من أجل اقتراح ممارسات تربوية فعالة تهتم بها البيئة المدرسية وتعمل على توفيرها كشروط للتربية الإبداعية لدى هؤلاء الطلاب فى هذه المدارس.
- تسهم هذه الدراسة فى تعزيز دور التربية الإبداعية وتنمية التفكير لدى الطلاب فى مراحل التعليم العام، وتهيئ المناخ الملائم لتحقيق غاياتها من خلال تطوير إسهامات أفراد البيئة المدرسية فى هذا المجال.
- ومن الملاحظ أن المناهج الدراسية فى مدارس التعليم العام تصمم فى العادة لتساير الطلاب العاديين من حيث القدرات والاستعدادات ومن ثم لا بد للمعلم أن يطور المهارات والمعارف والأنشطة والفعاليات المتضمنة فى هذه المناهج الدراسية حتى تلبى حاجات الطلاب المبدعين فى مدارس التعليم العام. فالإبداع موجود وبدرجات متفاوتة لدى جميع الطلاب (Wakefield, 1991). هذا ووجود الطلاب المبدعين فى مدارس التعليم العام قد يؤدى إلى هدر طاقاتهم وقدراتهم وإمكاناتهم إن لم يؤد العاملون بالبيئة المدرسية أدواراً معينة فى رعاية هؤلاء الطلاب المبدعين. وفى هذا المجال يرى (عبد العزيز الشخص) (1990، ص 80) أن الطالب إذا توفرت لدية موهبة معينة ولم يستطيع تنميتها يكون قد فشل فى حياته، وإذا استخدم نصفها فقط فقد يكون قد فشل جزئياً. أما إذا كانت لديه الموهبة وتعلم كيف ينميها ويستخدمها بصورة مناسبة يكون قد حقق نجاحاً كبيراً فى حياته.
- من المنتظر أن تسهم هذه الدراسة فى تطوير أهداف التربية الإبداعية بما يساعد الطلاب على الإبداع من أجل تطوير حياتنا وإرثنا الثقافى، وبما يتناسب مع ما يشيع فى العالم من ثقافات ، وبما يمكننا من الحياة مع الثقافات الأخرى كأنداد وليس كتابعين (عبد السلام عبد الغفار، 1997،ص11). فالكثير من الطلاب ما زالوا غائبين بدرجة كبيرة عن برامج المبدعين، وبيئات هؤلاء الطلاب الاجتماعية والاقتصادية لا تساعدهم على الإبداع، بينما رعاية مواهب هؤلاء الطلاب تعتبر حقوقاً أخلاقية (Gallagher, and Others, 1995). ومن ثم فالاتجاه الذى ينبغى أن يسود فى التربية الإبداعية لدى الطلاب يقع على عاتق العاملين بالبيئة المدرسية فى المقام الأول.
ثانياً: شروط التربية الإبداعية وإسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها
- ملخص للرؤى فى الأدبيات التربوية المعاصرة –(*)
تعددت الدراسات والبحوث العلمية، وتنوعت فى مجال التربية الإبداعية لدى الطلاب فى السنوات الأخيرة من القرن العشرين، واهتمت هذه الدراسات بجوانب مختلفة فى مجال الإبداع وتنميته، ومن بين هذه الدراسات ما تناول دراسة المناخ التعليمى والبرامج والنظم التعليمية، بالإضافة إلى طرائق التعليم وأساليبه المختلفة، وما تنطوى عليه من ممارسات وعلاقات وتفاعلات بين المعلم والطالب والبيئة المدرسية، وأثرها على التفكير الابتكارى لدى الطلاب (Woods, 1996)، (Smith, 1994). كما تناولت بعض هذه البحوث طرق إعداد العاملين بالبيئة المدرسية وتأثيراتهم بشكل مباشر أو غير مباشر على بعض الأساليب التى يمكن أن تعينهم فى عملية التدريس، وفى تنشيط التفكير الابتكارى لدى الطلاب ( Zielinski, 1994) ، (Doolittle, 1995) ، ذلك أن أسلوب التدريس الذى يتبعه المعلم يعتبر أحد العوامل الرئيسة التى تؤثر إيجابياً أو سلبياً فى نمو قدرات التفكير الابتكارى لدى الطلاب( Carroll, 1991).
أيضاً من التحولات التى حدثت فى مجالى التربية والتعليم فى السنوات القليلة الماضية التركيز على التربية الإبداعية وشروطها ودور البيئة المدرسية فيها، والدور المستقبلى للآباء والمعلمين فيها، هذا ما أشارت إليه وثيقة اليونسكو عام 1992 ( Unesco, 1992). وقد ظهرت الحاجة إلى تصور بيئة تعليمية جديدة يتم على ضوئها تحديد العلاقة المستقبلية بين المدرسة والمجتمعات المحلية، وفيها يتم تشكيل مجتمع متعلم ضمن المجتمعات المحلية، وهذا ما يمكن العناصر الشابة من ممارسة عمليات الإبداع والابتكار ضمن هذه المجموعات (محمد عزت عبد الموجود، 1993).
هذا وتعزيز فرص التربية الإبداعية لدى الطلاب بمدارس التعليم العام يتطلب تهيئة المناخ الملائم لأدوار فعالة من العاملين فى هذا المجال، كما يتطلب هذا الأمر تحديث المناهج الدراسية وتطويرها: أهدافاً ومحتوى وطرائق تدريس وأساليب تقويم بحيث تكون أكثر وظيفية وقدرة فى تربية الإبداع وتنمية التفكير الابتكارى لدى الطلاب. ويتطلب هذا الأمر أيضاً كفايات مهنية متعددة من جانب العاملين فى البيئة المدرسية، ومن هذه الكفايات التقويم، والتجديد المعرفى، والكفاية الإنسانية، والتعلم الذاتى، والمادة الدراسية، وإدارة الصف، إلى جانب كفاية أسلوب التدريس (سامى عدوان، على حبايب، 1995).
كما يجب على العاملين بالبيئة الصفية استخدام الطرق الحديثة فى التعليم، والتى تركز على التعلم الاستكشافى، وطرائق حل المشكلات، وطرائق التحدى والعصف الذهنى (مها زحلوق، 1997 ص 26).
وللتربية الإبداعية شروط، ويأتى فى مقدمتها نمط البيئة المدرسية التى ينبغى أن تتطور، ليكون المعلم فى هذه البيئة المدرسية ميسراً للتعلم لا منشئاً له، وليكون المعلم متعلماً بصفة دائمة، يسعى إلى زيادة معرفته بمجتمعه، وبطلابه، وبالأساليب والطرق التى تجعل الطلاب ينغمسون فى التعلم الذاتى، وبذل الجهد، وتحقيق ذواتهم، وبعث الثقة فى نفوسهم، وتعليمهم كيف يتعلمون (أحمد المهدى، 1996).
كما تؤدى البيئة المدرسية دوراً فعالاً فى الكشف عن الموهبة والإبداع لدى الطلاب عن طريق ملاحظة العاملين فيها لفعاليات الطلاب وأنماط سلوكهم وممارساتهم فى المدرسة. ويمكن للمعلم أن يقدم أنشطة استكشافية ( Explaratory Activities) لهذا الغرض، فيتيح لطلابه فرصاً تربوية عديدة لأنواع ونماذج من الأنشطة والخبرات يمكن لهم أن يختاروا منها كل حسب اهتمامه وميوله. وفى الوقت نفسه إذا لاحظ المعلم أن هناك من يتعلم بسرعة ولا يحتاج إلى الإعادة أو التكرار، وأن الطالب يفكر بشكل فيه من الدلالة ما يلفت النظر إليه، أو أن لديه استغراقا فى التفكير والعمل فترات طويلة دون ملل، أو من يملك موهبة ما فى أى نوع من الأنواع الإبداعية. إذا أكتشف المعلم هذا الطالب وأكدت ذلك ملاحظاته فإنه يكون قد وضع يده على الطالب المبدع (مها زحلوق، 1997، ص 22).، وتتولى البيئة المدرسية والعاملين فيها توفير شروط التربية الإبداعية لهذا الطالب.
كما أن هناك بعض الخصائص الأخرى التى يدل وجودها منفردةً أو مجتمعة على توافر الإبداع عند هؤلاء الطلاب، ومن هذه الخصائص تعلم المفاهيم الأساسية وإتقانها بسرعة كبيرة، إلى جانب القدرة على تكوين التجريدات والتعامل معها وفهمها، بالإضافة إلى تميز هؤلاء الطلاب بطاقة زائدة وحيوية فائقة ورغبة قوية للعمل المنفرد ولفترات طويلة من الوقت مع تميزهم بقدرة كبيرة على التركيز والانتباه.
ولكى تؤدى البيئة المدرسية دوراً فى استكشاف الطلاب المبدعين فى مدارس التعليم العام فلابد وأن يكون العاملون بهذه البيئة المدرسية قادرين على ممارسة أدوار ومهام الخبير التعليمى، والموجه والمرشد لطلابهم، ودور الباحث العلمى، ودور المختص بمادته العلمية، ودور المساعد فى إحداث التأثيرات على طلابهم، ودور المتفاعل مع الطلاب لمساعدتهم على إبراز إبداعاتهم، ودور المجدد الذى يساعد هؤلاء الطلاب على الإبداع (أحمد الخطيب، محمد عاشور، 1997 ص 1).
كما أن استخدام أسلوب التدريس الصامت بعض الوقت فى الحصة، حيث يصمت المعلم وتتاح الفرصة للطلاب فى توسيع وتعميق الخبرات والفروض البديلة المرتبطة بالمفاهيم، قد تكون مدخلاً لاستكشاف الطلاب المبدعين فى مدارس التعليم العام.
والمعلم المعاصر يحب أن يكون مهنياً، بمعنى أنه يحب أن يتأمل – دائماً – ممارساته، وأن يقوّمها أولاً بأول، وأن يصحح أخطاءه بنفسه، بالإضافة إلى ضرورة تعاونه مع زملائه المعلمين فى القضايا الفكرية والعملية المتصلة بالمهنة (أحمد المهدى، 1996).
وسمات وخصائص العاملين بالبيئة المدرسية الذاتية والمعرفية تلعب دوراً هاماً فى التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مراحل التعليم العام. كما أن ذكاء المعلم، وسعة إطلاعه، وتميز مهارته هى عوامل رئيسة تساهم بنحو إيجابى فى رعاية الإبداع لدى الطلاب. كما أن لمستوى حماس العاملين بالبيئة المدرسية فى أدائهم لمهامهم التعليمية أثراً إيجابياً فى استكشاف الإبداع لدى الطلاب وتوجيهه بشكل عام، وخاصية الحماس من السمات الهامة التى تؤهل العاملين فى تحقيق هذا الهدف.
وهنا يجب الإشارة إلى أنه لكى يكون المعلم وغيره من العاملين بالبيئة المدرسية قادرون على أداء مثل هذه المهام، فلا بد وأن تقوم مؤسسات إعداد المعلمين بإعداد المعلم الناقد فى تفكيره وبشكل علمى، حتى يتسنى له اكتشاف الطالب المبدع (عبد الفتاح حجاج، 1995، ص 11). وقد أشارت إحدى الدراسات السابقة (Fogarty, 1993) إلى أهمية تملك العاملين بالبيئة المدرسية مهارات التفكير الشامل وأساليب حل المشكلات، إلى جانب قدرتهم على تحديد نتاج التفكير والفكرة الابتكارية التى ينتجها الطلاب. ومن هذا المنطلق، وارتباطاً بمتطلبات الإصلاح التربوى فى مدارس التعليم العام فإنه يجب تدريب العاملين فيها على برامج البنية الإدراكية، وعلى كيفية تحويل النماذج التفكيرية إلى نتاجات محددة من خلال استخدام عاملى الدافعية والتعزيز لدى الطلاب المبدعين. كما يجب أن يتطور التعاون بين الجامعات والبيئات المدرسية من أجل إرساء قواعد التعاون بين العاملين بكليهما (Dana and others, 1992). كما أنه من الأهمية بمكان أن يتم تدريب هؤلاء العاملين على أنشطة التعليم التكنولوجية فى كافة التخصصات بمدارس التعليم العام. وهناك الكثير من البرامج التكنولوجية التى تعتبر تطبيقاً للمهارات الأكاديمية التى يمكن تعلمها فى المدارس مثل الابتكار فى الكتابة، وفى مفاهيم العلوم والفنون وعلوم الصحة العامة. ومن ثم وجب على كل العاملين بالبيئة المدرسية التمرس على هذه الأنشطة التكنولوجية المتصلة بالمهارات الأكاديمية من أجل توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى هذا المجال ( Oklahoma, 1991 ).
ويعد العاملون بالبيئة المدرسية من أهم العناصر المؤثرة فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب داخل الصف المدرسى وخارجة فى إطار المدرسة.
ونعرض، فيما يلى، أهم عناصر هذه المنظومة فى شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مدارس التعليم العام، وإسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها- كما اقترحتها الدراسات والبحوث والأفكار التربوية المعاصرة ، ونلخصها فى جدول (1)
جدول (1)
شروط التربية الإبداعية وإسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها
شروط التربية الإبداعية
إسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها
الطلاقة
1- تدريب الطلاب على مهارات التفكير المتعمق حول التأمل والفهم والتحليل
2- تدريب الطلاب على مهارات التفكير الشامل المتمركز حول تنظيم الموقف للوصول إلى أفكار جديدة.
3- توفير أنشطة العمل التعاونى بين الطلاب فى المجال الذى يتعاملون فيه
4- وضع أسس وآداب للمناقشة العامة الفاعلة والمفيدة.
المرونة
5- توفير الأنشطة التربوية التى تعتمد على الحاسوب لتدريب الطلاب على مرونة التفكير.
6- توفير الأنشطة التربوية التى تتطلب إعمال الذهن فى الإنجاز التحصيلي
7- توفير التدريبات المصورة واللفظية فى حل المشكلات التعليمية.
8- تدريب الطلاب على توظيف ما لديهم من معلومات لتحقيق أهداف حياتية.
الأصالة
9- تدريب الطلاب على ربط المعرفة الجديدة بالمعرفة القائمة لاستخلاص نتائج الدرس.
10- تدريب الطلاب على تحليل ما اكتسبوه من معرفة للوصول إلى نتائج جديدة.
11- تنمية مهارات تنظيم المعرفة المختارة.
12- تنمية مهارات التقويم الذاتى بين الطلاب.
الإتقان
13- تدريب الطلاب على استخدام العادات الصالحة فى تنظيم الذات.
14- تدريب الطلاب على الدقة فى الأداء التعليمى من خلال تطوير الأنشطة المدرسية.
15- تكوين اتجاهات إيجابية عن إتقان العمل لدى الطلاب.
16- تنمية عادات التنافس بين الطلاب أثناء إتمام التفاصيل.
البنية المعرفية
17- تزويد الطلاب بالأنشطة التعليمية التى تناسب قدراتهم المعرفية.
18- تدريب الطلاب على العمليات المعرفية فى جوانب التذكر والتطبيق.
19- إتاحة الفرص للطلاب لكى يلعبوا أدوار العلماء الموهوبين فى التخصص.
20- تدريب الطلاب على العمليات المعرفية فى جوانب الإدراك والانتباه
العوامل العقلية
21- تدريب الطلاب على إظهار العلاقات الموجودة بين الأسباب والنتائج.
22- تدريب الطلاب على تركيب الأفكار بطرائق مختلفة فى الدروس التعليمية.
23- احترام الطلاب الذين يطرحون أفكاراً إبداعية جديدة لحل مشكلة معينة.
24- عرض أمثلة تاريخية ومناقشة أنواعها فى التخصص المعروض.
السمات الشخصية
25- تنمية جوانب المغامرة لدى الطلاب.
26- اعتماد أساليب الحوار والإقناع مع احترام الرأى والرأى الآخر.
27- تنمية جوانب الانضباط الذاتى لدى الطلاب.
28- إتاحة فرص الواجبات المنزلية الحرة والكافية لإشعار الطالب باستقلاليته فى التعلم.
العوامل الدافعية
29- إتاحة الفرص التعليمية المعتمدة على أسلوب حل المشكلات داخل الفصل.
30- إتاحة الفرص للطلاب لاكتشاف العلاقات بين عناصر الموضوع المعروض.
31- إتاحة الفرص لكى يرتقى الطلاب بمستوى تفكيرهم فى معرفة أخطائهم بأنفسهم.
32- إتاحة الفرص لكى يستكشف الطلاب كل ما هو جديد فى الموضوع المعروض.
العوامل البيئية
33- إتاحة الفرص للطلاب لإظهار معارفهم ومهاراتهم المكتسبة من بيئاتهم.
34- العمل على أن تكون بيئة الصف سمحة ومرنة ويسودها الاحترام المتبادل.
35- احترام حرية الطالب فى التفكير والتعبير عن هذا التفكير.
36- عدم التسرع فى إصدار الأحكام على الطلاب.
التجميع والعزل
37- تجميع الطلاب المتفوقين فى صف خاص بعض الوقت أثناء اليوم الدراسى.
38- تجميع الطلاب المتفوقين فى ركن واحد فى الصف المدرسى طول الوقت.
39- تجميع الطلاب المتفوقين فى ركن واحد فترة من الوقت للتدريب على إبداعاتهم.
40- تزويد الطلاب المتفوقين بمقررات دراسية اختيارية غير مقررة على باقى الطلاب.
التسريع الإسراع
41- إتاحة الفرص التعليمية للطلاب المتفوقين لحضور حصص دراسية فى الصفوف الأعلى.
42- إتاحة فرص دراسة مقرر ما فى الصف التالى، وهو طالب فى الصف الحالى.
43- إتاحة فرص مشاهدة دروس تعليمية فى الصف التالى، وهو طالب فى الصف الحالى.
44- إتاحة فرص دراسة موضوعات دراسية فى الصف التالى، وهو طالب فى الصف الحالى.
الإثراء والإغناء
45- تزويد الطلاب المتفوقين بخبرات تربوية إضافية حسب رغبتهم.
46- تكليف الطلاب المتفوقين بإعداد التقارير عن موضوعات تتعلق باهتماماتهم.
47- تشجيع الطلاب المبدعين على الانتساب إلى " أسر الإبداع " فى المدرسة.
48- تكليف الطلاب المتفوقين بتدريبات صفية إضافية فى الكتاب المدرسى.
ولكن ما الواقع الحالى لإسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية فى مدارس التعليم العام؟، هذا ما ستعرض له الدراسة الحالية فى الصفحات التالية.
ثالثاً : واقع إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية
لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى
ملخص لنتائج الدراسة الميدانية (*)
فى محاولة لتحديد نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مراحل التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى، تم تحديد أهم الممارسات التربوية للعاملين بالبيئة المدرسية فى هذا المجال والتى تمثلت فيما يلى:
- القدرة النسبية للعاملين فى البيئات المدرسية فى مرحلتى التعليم الثانوى والإعدادى – مقارنة بأولئك العاملين بالتعليم الابتدائى – فى وضع أسس وآداب للمناقشة العامة الفاعلة والمفيدة، إلى جانب تدريب الطلاب على مهارات التفكير المتعمق المتمركز حول التأمل والفهم والتحليل. علاوة على تدريب الطلاب على توظيف ما لديهم من معلومات لتحقيق أهداف حياتية، مع توفير الأنشطة التربوية التى تتطلب إعمال الذهن فى الإنجاز التحصيلى.
- أعتمد العاملون بالبيئة المدرسية مهارات تنظيم المعرفة المختارة، وتدريب الطلاب على ربط المعرفة الجديدة بالمعرفة القائمة لاستخلاص نتائج الدرس، إلى جانب تدريب الطلاب على تحليل ما اكتسبوه من معرفة للوصول إلى نتائج جديدة أثناء ممارساتهم التدريسية، وهذا يتفق مع السياسة التعليمية فى مصر التى بدأت ترعى الإبداع لدى الطلاب.
- ندرة الممارسات التربوية للعاملين بالبيئات المدرسية فى تدريب الطلاب على استخدام العادات الصالحة فى تنظيم الذات، وفى تكوين اتجاهات إيجابية عن إتقان العمل، وفى تنمية عادات التنافس بين الطلاب أثناء إتمام التفاصيل فى مرحلة التعليم الابتدائى– مقارنة بالعاملين بالبيئات المدرسية بالمرحلتين الإعدادية والثانوية فى مدارس التعليم العام فى محافظات جنوب الوادى.
- وجود فروق فى الاستجابات بين طلاب التعليم الابتدائى من جهة، وطلاب التعليم الإعدادى والثانوى من جهة أخرى فى قيام العاملين بهذه البيئات المدرسية بتدريبهم على العمليات المعرفية فى جوانب التذكر والتطبيق، وفى مدى احترام الطلاب الذين يطرحون أفكاراً إبداعية جديدة لحل مشكلة معينة، وفى تدريب الطلاب على إظهار العلاقات الموجودة بين الأسباب والنتائج، وفى تزويد الطلاب بالأنشطة التعليمية التى تناسب قدراتهم المعرفية.
- تحددت استجابات أفراد العينة عن إسهامات البيئة المدرسية فى تنمية السمات الشخصية لدى الطلاب فى قيام العاملين بتنمية جوانب الانضباط
1- مقدمة الدراسة
تعيش المجتمعات اليوم عصر التقدم العلمى والتكنولوجى، وعليها لكى تواجه تحديات هذا العصر أن تهتم بتنمية شخصيات أفرادها تنمية شاملة لإعدادهم إعداداً يمكنهم من التفاعل الجاد الفعال مع متغيرات هذا العصر. ويتطلب هذا الإعداد ضرورة الاهتمام بالتربية الإبداعية لدى الطلاب بمدارس التعليم العام، فليس هناك إبداع بغير مبدعين أى بغير بشر يقومون بعملية الناتج الإبداعي.
وإذا كان العالم قد تحول إلى قرية صغيرة دائمة التغير، فإن على التربية أن تكون متجددة إلى أقصى درجة ممكنة فى أهدافها، ومناهجها، ومعلميها، حتى لا تنعزل عن مجريات الأحداث، وأن تحاول – من خلال عناصرها ووسائطها المختلفة – بناء الشخصية المبدعة التى لا تتابع الجديد فحسب، بل تؤثر فيه وتجد لنفسها مكاناً فى عالم الإبداع (عبد الفتاح حجاج، 1995، ص 10). ولقد بات مؤكداً أهمية بناء هذه الشخصية المبدعة فى أى مجال من مجالات الحياة.
كما يعتمد تقدم الأمم على إمكانياتهم المادية والبشرية، ومن ضمن الإمكانيات البشرية الأفراد المبدعون الذين لديهم القدرة على التفكير الابتكارى فى مواجهة المشكلات بشكل جديد فى جميع ميادين الحياة. وفى هذا الصدد أشار تورانس(Torrance, 1988) إلى أهمية الإبداع تجاه الإسهام فى رفع مستوى رفاهية الأمم والشعوب وتحقيق الرضا لدى الأفراد. كما أن الأخطار التى تواجه البشرية اليوم، والمشكلات التى تواجه الأمم تنعكس على الأفراد، مما يستلزم تقديم حلول إبداعية من أجل تحسين حياة هؤلاء الأفراد ( David, 1994).
كما أن تنمية المواهب لدى الأفراد تعتبر حاجة هامة لدى المجتمعات، وإن لم تتوفر متطلبات تنمية الموهبة طول الحياة للأفراد يمكن أن تضعف هذه الموهبة وتنتهى (Kaufman, 1995). ومن ثم فلا بد من الاهتمام بالتربية الإبداعية لدى الأفراد من أجل أن تتقدم الأمم وتزدهر فى مختلف المجالات.
هذا والإبداع ليس سمة محصورة فى القلة من الناس بل هو قدرة كامنة لدى معظم الأفراد يمكن رعايتها وتطبيعها، ويظهر الإبداع حين يتوفر المناخ النفسى، ونتيجة لعمليات التنشئة الاجتماعية التى يمر بها الفرد خلال مراحل حياته المختلفة. كما يتوقف نتاج التفكير الإبداعى على عدد من العوامل النفسية والاجتماعية والتربوية، والتى تحد من أو تعمل على زيادة إنتاجية الشخص المبدع (محمد عبد السلام سالم، 1997).
وقد أصبحت قضية (التربية الإبداعية) لدى الأفراد بصفة عامة، ولدى طلاب المدارس بصفة خاصة أحد أهم الأهداف التربوية الهامة التى تسعى المجتمعات إلى تحقيقها من خلال برامجها التعليمية فى المدارس (سيد الطواب، 1988). فالتعليم هو سبيل الأمم إلى التقدم والإبداع، ومعبر الأجيال نحو المستقبل. وقد انبثقت مناقشات عديدة فى مجال حاجات هذا القرن من الإبداع والمبدعين، وفى الاستراتيجيات التعليمية والتدريسية اللازمة للتربية الإبداعية بين الطلاب فى مدارس التعليم العام (Maker and Nielson, 1995) ، (Office of Educational Research, 1996 )
كما أشارت بعض الدراسات العلمية إلى أن الفصل واليوم الدراسى العادى هما أكثر الأماكن والأوقات الدراسية ملاءمة للتربية الإبداعية بين الطلاب، بشرط أن تتاح الفرص لكى تنمو موهبة الطالب المبدع، وأن يؤثر المعلم إيجابياً فى تنمية التفكير لدى طلابه، وأن تتوفر الأنشطة التربوية المناسبة لكى تتقابل الاحتياجات ويتحقق المردود (Fraizer, 1993)، (Grant, 1995)، (Adams, 1997).
وهكذا تعود دعوة فاخر عاقل ( 1983 ) إلى جعل الهدف الرئيسى من التربية والتعليم يجب أن يكون تعليم الطلاب كيف يفكرون بطريقة بناءة، وبالشكل الذى يساعد على الإبداع. وفى هذا المجال يرى عبد السلام عبد الغفار ( 1997 ، ص 9 ) أننا نستطيع أن ننمى ما لدى الأبناء من قدرات إبداعية عن طريق ما نقدمه لهم فى المدارس من تربية، فهناك العديد من البرامج التى تهدف إلى تنمية قدرات الإبداع لدى الطلاب، كما يمكن إكساب الطالب مهارة إبداعية عن طريق التدريب، فيتميز الطالب بمستوى مرتفع من القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار التى ترتبط. بموقف أو بمثير معين فى فترة زمنية محددة مع تميز هذا الطالب بالقدرة على الانتقال من نوع من الأفكار إلى نوع آخر منها، مما يعطى الفرصة فى ظهور فكرة أصيلة سواء أكانت الأصالة فى صورة ندرة أو مهارة.
وإذا كان للتعليم هذه الأهمية فى التربية الإبداعية بين الطلاب، فالبيئة المدرسية من بين عناصر التعليم المختلفة – تحظى بالأهمية الأكبر فى هذه القضية، ودورها واضح وجلى فى هذا المضمار (Ford, and Others, 1997). فالبيئة المدرسية يفترض أن تهتم بتوفير المواقف التى تجعل الطالب ينتج عدة إجابات متنوعة لمشكلة ما، بالإضافة إلى الاهتمام بالمواقف والمشكلات التى تتطلب استجابةً واحدة أو نتيجة واحدة صحيحة، والمعلم كعنصر رئيسى فى البيئة المدرسية مطالب مهنياً أن يفهم قدرات طلابه، وأن يتعرف على حاجاتهم وميولهم، وأن ينمى جوانب الإبداع لديهم (Merickel, 1992).
وقد أكدت نتائج دراسة كوبر (Cooper, 1995) أهمية تقديم أنشطة تربوية ثرية ومتنوعة – من خلال البيئة المدرسية – لتقابل احتياجات الطلاب المبدعين فى مراحل التعليم العام. كما يرجى من المعلم أن يُعلم ويُربى ويُرشد ويُقيم، وأن يظهر مقدرته على تنمية ذاته، وأن يشارك فى تحديث المدرسة وجعلها أكثر تقبلاً للتغيير وتفاعلاً معه، تيسيراً للتعلم، بالإضافة إلى تنمية الإبداع لدى الطلاب (منظمة الأمم المتحدة للتربية، 1996). كما أن المعلم يجب أن يتحول إلى مرشد إلى مصادر المعرفة المختلفة ومنسق لعمليات التعليم ومصحح لأخطاء المتعلم، ومقوم لنتائج التعلم، وموجه إلى ما يناسب قدرات كل متعلم (Forgarty, 1993).
وقد ظهرت فى السنوات القليلة الماضية توجهات عالمية تدعو إلى التعليم الجيد لجميع الطلاب – المبدعين منهم والعاديين - تحقيقاً لمبادئ المساواة التعليمية. فقد نادى (توملنسون) (Tomlinson, 1996) بضرورة توفير بدائل التعليم الجيد لكافة الطلاب فى مراحل التعليم، مهما تمايزت قدراتهم وبيئاتهم، من أجل توفير المساواة بينهم، إلى جانب التواصل بين برامج التربية العامة، وبرامج تربية الموهوبين فى مدارس التعليم العام. كما أوضح (جونسون) (Gohnsen, 1996) مدى أهمية تضمين البرامج التربوية أنشطة إثرائية مقصودة تلبى احتياجات الطلاب الموهوبين أثناء دراستهم فى مراحل التعليم المختلفة. أيضاً أظهرت ملاحظات عن الإصلاح التربوى مدى أهمية التعليم التعاونى بين الطلاب من أجل تلافى الآثار الاجتماعية الناشئة عن تصنيف الطلاب إلى موهوبين وعاديين. فالتعليم التعاونى قد يلبى احتياجات تربية الموهوبين فى مدارس التعليم العام ( Gallagher and others, 1995 ).
وهكذا أصبح للبيئة المدرسية أهمية متزايدة وشأناً أكبر فى مجال التربية الإبداعية بين الطلاب فى مدارس التعليم العام، والتى أصبحت بدورها ضرورة حتمية لمواجهة متطلبات المستقبل واحتياجاته.
وتأتى هذه الدراسة لتناقش نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية فى مدارس التعليم العام، فالقاعدة الأساسية لتنمية الإبداع لدى الطلاب تكمن فى توفير بيئة مدرسية فعالة فى هذا المجال.
2- مشكلة الدراسة:
رغم أهمية البيئة المدرسية فى التربية الإبداعية بين الطلاب، فإن بعض الدراسات العلمية أظهرت أن الكثيرين من القائمين بشئون التربية والتعليم لا يدركون القوانين الأساسية للإبداع، بالإضافة إلى أن معظم الأنشطة التربوية فى المدارس تتجه غالباً فى طريق يتعارض مع نمو التفكير الابتكارى (أحمد عباده، 1986)، (سناء محمد سليمان، 1993). وفى الوقت نفسه بات من المؤكد أن وظيفة التربية والتعليم فى مدارس التعليم العام تكمن فى تطوير الإنسان المبدع القادر على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، فقد أوضحت إحدى الدراسات ( Krulik, 1994) أن من أهم أهداف التربية هى مساعدة الطلاب على اكتشاف قدراتهم الإبداعية، والعمل على استثارتها وتوظيفها، ودعم اتجاهاتهم الإيجابية نحو التفكير الابتكارى. كما أظهرت دراسة أخرى (جيمس كييف، 1995) أن تنمية مهارات التفكير ليست بالعملية السهلة، وتحتاج إلى بيئة مدرسية ملائمة. فى حين أظهرت دراسة (وودس)( Woods, 1991) إمكانية تعلم وتعليم مهارات التفكير الابتكارى عن طريق فهم أسلوب حل المشكلات فى بيئة محددة والتعرف على الأفكار الإبداعية بها. فالبيئة المدرسية التى توفر لطلابها المناخ النفسى الملائم، وتشجعهم على البحث والاستقصاء وفرص التفكير المتعمق فإنما توفر لهم فرص التربية الإبداعية وإيجاد الحلول الابتكارية للمشكلات التى تواجههم. كما نادت دراسة (كارول) (Carroll, 1991) بأهمية أن يتعرف المعلم على عوامل التفكير الابتكارى لدى الطلاب الموهوبين فى الفصول الدراسية. ومن الضرورى أن ينمى المعلم ما لدى الطلاب من قدرات للتفكير الابتكارى عن طريق التدريب على مهارات خاصة فى استخدام هذه القدرات، مما يرفع مستوى الطلاب على الإنتاج الإبداعى فى المستقبل.
وهكذا فلكى نرعى الإبداع وننميه لدى طلابنا، فنحن نحتاج إلى بيئة مدرسية ملائمة لتحقيق هذا الأمر، ببيئة مدرسية لازمة لإثراء العلم والتعليم لدى الطلاب بما يؤدى إلى تنمية العملية الإبداعية لديهم. وقد نادت بعض الدراسات الحديثة فى هذا المجال بأهمية تدريب العاملين بالمدارس على أدوار فعالة لتحقيق أهداف التربية الإبداعية. وقد تطورت البرامج والتدريبات الصفية فى تعليم الموهوبين، وظهرت محاولات لإصلاح مدارس التعليم العام لتتوازن مع متطلبات تعليم الموهوبين من بين طلابها. ومن ثم لا بد أن تصبح البيئة المدرسية فعالة فى التربية الإبداعية لدى هؤلاء الطلاب (Office of Educational Research, 1995) ، (Van- Ert, and Wolf, 1996).
وهكذا تحددت مشكلة الدراسة الحالية فى ضرورة توضيح نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب بين دائرة ما ينبغى أن يكون نظرياً (من خلال تحليل الرؤى فى الأدبيات التربوية المعاصرة)، وبين الواقع. وقد اختارت هذه الدراسة مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى (سوهاج وقنا وأسوان) لتحديد نمط هذه البيئة المدرسية فى هذه القضية وكما يدركها المعلمون أنفسهم وطلابهم.
3- تساؤلات الدراسة:
حاولت الدراسة الإجابة عن التساؤلات التالية :
أ - ما شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب؟، وما إسهامات البيئة المدرسية فى توفير هذه الشروط؟.
ب- ما واقع إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى؟.
جـ- ما نمط البيئة المدرسية المقترح لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مدارس التعليم العام؟.
4- أهداف الدراسة:
تمشياً مع التوجهات المعاصرة فى التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مدارس التعليم العام تهدف هذه الدراسة إلى تقديم رؤية تقويمية حول نمط البيئة المدرسية اللازمة فى هذا المجال. ويتحقق هذا الهدف من خلال عدة أهداف فرعية تمثلت فى التعرف على شروط التربية الإبداعية بين طلاب التعليم العام، بالإضافة إلى التعرف على وجهة النظر الموضوعية حول نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير هذه الشروط لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادي. وتأتى وجهة النظر الموضوعية حول هذا الموضوع من خلال تجميع وجهات نظر المعلمين والطلاب كعناصر رئيسة فى البيئة المدرسية:
- فالمعلم يقع فى أفضل موقع لإبراز أدواره فى التربية الإبداعية لدى الطلاب، وذلك من خلال إستبطان مقاصد المعلم وأهدافه من ممارساته التربوية مع طلابه.
- ويقع الطلاب فى أفضل موقع لتحديد نمط البيئة المدرسية اللازمة فعلاً لتوفير شروط التربية الإبداعية لديهم.
5- خطة السير فى الدراسة :
جاءت هذه الدراسة فى أربعة أجزاء هى :
الجزء الأول : وفيه تم تناول مشكلة الدراسة وتساؤلاتها وأهدافها، بالإضافة إلى مصطلحات الدراسة ومنهجيتها وأدواتها البحثية ومنطلقاتها الأساسية وأهميتها. .
أما الجزء الثانى : فقد ناقش شروط التربية الإبداعية وإسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها من خلال تحليل نتائج الأبحاث والدراسات والأدبيات التربوية السابقة فى هذا المجال.
وعرضت الدراسة فى جزئها الثالث، الواقع الحالى لإسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادي.
أما الجزء الرابع فقد عرض فيه التصور المقترح لنمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مصر.
6- مصطلحات الدراسة:
التربية الإبداعية:
بداية اختلفت الرؤى وتباينت حول معنى الإبداع، فيرى (مراد وهبة) (1996، ص ص 51–53) أن الإبداع هو سلسلة من النشاطات المنتظمة، والموجهة نحو هدف محدد. وهذه العملية تمكن العقل – فى النهاية – من تكوين علاقات جديدة، وإحداث شئ على غير مثال مسبوق، على أن يكون للمنتج الجديد فائدة للفرد والمجتمع. ويضيف (مراد وهبة) (1998، ص 33) أن الإبداع هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة، من أجل تغيير الواقع، مما يؤدى إلى التقدم.
والإبداع – من وجهة نظر (عبد الفتاح تركى) (1996، ص ص3-4) - هو خاصية من خواص العقل البشرى حينما تتوفر له شروط التكوين الصحيح، خاصية يمكن إكسابها للإنسان بالتربية التى تتم فى ظروف مواتية للعمل الحر غير المسبوق والمبادرة الذكية للإنسان فى مواجهة التحديات والمواقف الجديدة.
وترى بعض الدراسات الأخرى أن الإبداع مظهر من مظاهر الابتكار، أو شكل من أشكال التفوق، وهو يشير إلى أولئك الأفراد الذين لديهم القدرة على الإتيان بأشياء جديدة ومبتكرة (Naval – Severino, 1993) ، (Gonen, 1993). وهذه الأمور المبتكرة قد تكون تفسيراً لظاهرة فيزيائية أو حلاً لمسألة رياضية ( Loewen, 1995) ، (Zielinski, 1994) ، أو تعليلاً لظاهرة اجتماعية (Barbara, 1991). وقد يكون هذا الشيئ المبتكر تصميماً حديثاً لآلة معنية ( Welch, 1996) ، أو تصميماً للوحة فنية (Sapp, 1995). وقد يكون الإبداع فى نظم قصيدة شعرية أو فى كتاب قصة أدبية (Okagaki, 1987)، (مها زحلوق، 1997).
ويرى (عبد السلام عبد الغفار) (1997، ص ص 6 – 7) أن الإبداع يعنى الابتكار، وهو ظاهرة إنسانية متعددة الجوانب وتتحدد بنتائجها، وهذه الظاهرة الإبداعية (أو الابتكارية) تتصف بثلاث صفات هى الجدة والمغزى (أو المعنى) واستمرارية الأثر. والجدة أمر نسبى يتحدد فى ضوء ما هو معروف ومتداول فى مجال معين من مجالات الحياة، وبين أفراد جماعة معينة فى زمن معين. والناتج الإبداعى له معنى أى قيمة معينة، وهذا الناتج الإبداعى هو وليد عملية تفكير معينة وتحدث هذه العملية فى إطار فكرى معين، والناتج الإبداعى يرتبط بالحقائق التى تحيط بالمبدع، وكلما ازدادت أهمية الناتج الإبداعى ودلالته كان ذلك مؤشراً لمدى ارتباطه بحياة الفرد والجماعة. ويرتبط بمغزى الناتج ومعناه وأهميته بالصفة الثالثة للناتج الابتكارى وهى استمرارية آثار الناتج، وكلما استمرت الآثار المترتبة على الناتج الإبداعى كان ذلك دليلاً على أهميته ومعناه بالنسبة إلى مجاله، وبقدر ما يمثل الناتج الإبداعى إضافة أساسية بقدر ما تستمر آثاره، وبقدر ما يتناول الناتج الإبداعى تطويراً أو تعديلاً جوهرياً فى مجاله بقدر ما تنتشر وتستمر آثاره.
ومما سبق ترى هذه الدراسة أن الإبداع هو نتاج نشاط عقلى ووظيفى لشخص يتواجد فى بيئة معينة ترعى هذا النتاج، وهذا النتاج يأتى فى مجال اكتشاف ما هو جديد، ولا يظهر ما لم تتوافر بنية معرفية وعوامل عقلية وسمات شخصية للشخص المبدع، بالإضافة إلى توافر مجموعة من العوامل الدافعية والبيئية التى يعيشها الفرد الموهوب وتدفعه إلى الإبداع وتسمح له بتقديم الأشياء المبتكرة وذلك فى المجال الذى يبدع فيه أو الذى يظهر إبداعه فيه.
ويرتبط بالإبداع مفهوم التفكير الابتكارى، حيث يعتبر التفكير الابتكارى أرقى مستويات النشاط المعرفى للإنسان (فؤاد أبو حطب ،1993)، وهو نشاط عقلى يميز الإنسان (مراد وهبه، 1993)، وبسميه البعض " التفكير الإبداعي" (ضياء الدين زاهر، 1990)، (جيمس كييف، 1995)، (فاروق أبو عوف، 1997) ، (محمد عبد السلام سالم، 1997)، وقد يسمى " التفكير المنتج" (عايش زيتون، 1987) ، (صفاء الأعسر، 1997) ، وقد يسمى " التفكير التباعدي" (يوسف قطامى، يوسف حسن، 1998)، وهو يعنى تلك العملية التى ينتج عنها حلول أو أفكار إبداعية وجديدة تخرج عن الأطر المعرفية المعلومة سواء على مستوى الشخص الذى يفكر، أو على مستوى البيئة التى تحيط بهذا الشخص المفكر.
ويشتمل التفكير الابتكارى على ثلاثة عوامل أو قدرات هى قدرة الطلاقة، وقدرة المرونة، وقدرة الأصالة (عبد السلام عبد الغفار، 1997، ص 9)، وتضاف قدرة رابعة إلى هذه القدرات هى إتمام التفاصيل أو الإتقان ( Woods, 1996).
وهكذا فإن امتلاك الفرد لقدرات التفكير الابتكارى تجعله متميزاً بمستوى مرتفع من القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار التى ترتبط بموقف أو بمثير معين فى فترة زمنية محدودة (الطلاقة) مع تميز هذا الفرد بالقدرة على الانتقال من نوع من الأفكار إلى نوع أخر منها (المرونة)، مما يعطى الفرصة فى ظهور فكرة أصلية، سواء أكانت (الأصالة) فى صورة ندرة أو مهارة أو ارتباط بعيد (عبد السلام عبد الغفار، 1997).
وقد أوضح (سعيد إسماعيل على) (1995، ص ص 18 – 19) أن التربية تعنى تلك العملية التى عن طريقها نقوم بتنمية جوانب الشخصية الإنسانية فى مستوياتها المختلفة. ذلك أنه شاع بين المتخصصين أن للشخصية مستويات ثلاثة : المستوى الأول، هو مستوى الوعى والإدراك المعرفى، والمستوى الثانى، هو مستوى العاطفة والوجدان، والمستوى الثالث هو مستوى الحركة والمهارة. ويتم تنمية الجانب المعرفى للإنسان عن طريق تزويده بكم من المعلومات والمعانى والمفاهيم والحقائق، فضلاً عما يرتبط بهذا من حيث طريقة التفكير ومنهج البحث وأساليب الربط والاستنتاج والاستنباط والتحليل والنقد. أما المستوى الثانى فيشتمل على الميول والاتجاهات والقيم. أما المستوى الثالث، فهو مستوى حركى، يتصل بالمهارات العملية المختلفة.
وقدمت (صفاء الأعسر) (1997، ص 2) مفهومين فى التربية، المفهوم الأول يتمحور حول تحصيل المعارف والمهارات التى تنمى قدرات البشر على مواجهة مشكلات ومعطيات محددة فى إطار حياة مستقرة ومواقف متكررة. أما التربية من أجل التجديد فهى تضع كل المعطيات – حتى أكثرها استقراراً – موضوع الاختبار، وهى التى تعد الإنسان لما ينتظره من تحديات وتغيرات تخلخل كثيرا من الثوابت.وهنا يصبح المعنى الحقيقى للتربية هو تنمية بشر مبدع قادر على استشراف المستقبل وتشكيله، بالإضافة إلى تقبله والتواؤم معه.
ويرى (رياض الدباغ) (1997 ،ص1) أن التربية تعتبر عملية حياتية اجتماعية لا تقتصر على مفاهيم التدريب والتعليم والتأهيل فحسب ، بل تشمل حركة الحياة وإبداعات الإنسان فى إطار المجتمع طيلة حياته.
ومن ثم ترى هذه الدراسة أن "التربية الإبداعية" تعنى تلك العملية التى عن طريقها نقوم بتنمية جوانب الشخصية الاجتماعية لكى تصبح مرنة ومتقبلة لذاتها ، وقادرة على امتلاك قدرًا من الاستقلالية والاكتفاء الذاتى والحساسية تجاه المشكلات. تلك الشخصية الاجتماعية التى تصبح -نتيجة تأثير البيئة المدرسية المتحررة من القوالب الجامدة على هذه الشخصية الاجتماعية– متميزة بارتفاع مستوى طموحها وتعدد ميولها وتميزها فى امتلاك قدرات الطلاقة والمرونة والأصالة والإتقان بالصورة التى تحقق لهذه الشخصية الاجتماعية القدرة الإبداعية على العمل المنتج الهادف فى جميع المجالات، وبما يتمشى مع مواهبها.
7- منهج الدراسة وأدواتها :
اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفى التحليلى فى جمع البيانات وتحليلها، باعتباره أنسب الأساليب المنهجية لمثل هذه الدراسات التحليلية. فمن المعروف أن للدراسات الوصفية التحليلية غرضاً تقويمياً وتطويرياً، حيث يقوم الباحث بالتعرف على الواقع بهدف التقويم والإسهام فى التفسير والتطوير.
ومن أجل الاعتماد على هذا المنهج الوصفى التحليلى فى تحديد نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب بمدارس التعليم العام تم استخدام المدخل التعددى لجمع البيانات فى البحث العلمي(Triangulation Approach) ، وهذا المدخل يعتمد على طريقتين أو أكثر فى جمع البيانات، بقصد دراسة عنصر ما فى السلوك الإنسانى (لويس كوهين، لورنس مانيون، 1990، ص 299).
وقد اختارت هذه الدراسة المقابلة الشخصية المقيدة، والاستبانة كأداتين لجمع المعلومات من أفراد البيئة المدرسية من المعلمين الأوائل، والمعلمين، والطلاب عن واقع إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مدارس التعليم العام. بمحافظات جنوب الوادي.
وهكذا فإن تطبيق أداتى الدراسة على عينة من المعلمين الأوائل، والمعلمين والطلاب أثناء جمع المعلومات يحقق شرط المدخل التعددى كأحد الأساليب المنهجية الهامة فى تقصى الواقع عن إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب وأدوار المعلمين والأنشطة والمناهج فى هذا المجال.
8- منطلقات الدراسة :
ترتكز الدراسة الحالية على عدة منطلقات هى :
- أن كل فرد يمتلك إمكانات إبداعية أو ابتكارية، ومن المهم أن ندرك أن الإبداع أو الابتكار ليس بالإمكان تدريسه فى مراحل التعليم المختلفة، ولكن بالإمكان أن نهيئ المدخل والظروف للمتعلمين لاستغلال وتوظيف إمكاناتهم الإبداعية أو الابتكارية (محمد متولى رمضان، 1996، ص ص 15-16).
- الإبداع أو الابتكار سمة هامة وضرورية للفرد فى أوجه نشاطه اليومى، حيث يأتىمن خلالها الروائع الفنية والعلمية والتكنولوجية والأدبية فى شتى المجالات. ومن ثم ينبغى أن تؤدى البيئة المدرسية دورا فى زيادة قدرة الطلاب على الإبداع عن طريق إتاحة الفرص لزيادة قدرتهم على حل المشكلات القائمة والمحتملة وعن طريق الاستكشاف ومن خلال تنمية قدرات التفكير الابتكارى.
- الإبداع أو الابتكار عملية يمكن وصفها وتحديد متطلباتها، ويمكن تدريب الطلاب على ممارستها بهدف زيادة قدراتهم الإبداعية. ويتطلب هذا الأمر أن تقوم البيئة المدرسية بمساعدة الطلاب على فهم الشروط والأبعاد التى تقوم عليها هذه العملية الإبداعية تمهيدا لإكسابهم القدرة الإبداعية فى إيجاد الحلول للمشكلات التى تواجههم كأفراد أو جماعات فى مستقبل حياتهم.
- الإبداع عبارة عن دلائل واستعدادات للإتيان بحلول جديدة وأفكار أصيلة تجاه العديد من المشكلات، وليس من الضرورى أن يكون المتعلم على درجة عالية من الذكاء لكى يكون مبدعاً. فالإبداع هو قدرة عقلية، شأنه شأن بقية القدرات الأخرى مثل الفهم، والتحليل، والتركيب، والاستنتاج، والقياس، وإدراك العلاقات… إلى غير ذلك مما نكتسبه بالتربية ومن خلال ممارسة هذه القدرات فى المواقف والخبرات المريبة (عبد الفتاح تركى، 1996، ص4). ومن ثم فكل طالب يمكن أن يكون ذا عقل مبدع، حالما توفرت له أسباب صياغة هذا العقل، أى شروط التربية الإبداعية.
- يمكن تربية الإبداع لدى الطلاب من خلال مساعدتهم على ممارسة التفكير الابتكارى فى مواقف واضحة تعين على ذلك – كما تتطلب التربية الإبداعية لدى الطلاب توفير الشروط والأساليب التربوية والإمكانات المادية والبشرية الفاعلة فى مختلف مراحل التعليم، وتأتى قدرات العاملين بالبيئة المدرسية فى مقدمة هذه الإمكانيات، حيث تمثل إسهاماتهم فى هذا المجال أساسيات النجاح فى اكتشاف الطلاب الموهوبين، ونوعية التربية الإبداعية التى يجب أن يتعلمونها وطرق وأساليب تدريسهم ومناهجهم الدراسية، هذا وتنمية الإبداع لدى الطلاب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتنمية قدرات التفكير الابتكارى لديهم، ولا يمكن فصل أدوار البيئة المدرسية فى تحقيق أهداف كل منها، كما لا يمكن فصل متطلبات تنمية التفكير الإبتكارى عن مثيلاتها الخاصة بتنمية الإبداع وتربيته لدى الطلاب.
وقد أشارت العديد من الأدبيات السابقة إلى قوة العلاقة بين "تنمية الإبداع" و " تنمية عوامل التفكير الابتكاري"، فقد تحدث (عبد السلام عبد الغفار) ( 1997، ص 10) عن أن توافر قدرات التفكير الابتكارى (وهى قدرات الطلاقة، والمرونة، والأصالة، والإتقان) بمستوى عال شرط ضرورى ولكنه ليس كافياً لحدوث الإبداع أو الابتكار، ذلك أن الإنتاج الإبداعى أو الابتكارى يحتاج إلى عدد آخر من العوامل الكلية التى تمكن المبتكر من السيطرة على ما يوجد فى مجال ابتكاره، ويحتاج المبتكر إلى عدد من السمات الانفعالية مما يجعل منه فرداً واثقاً فى نفسه، معتمداً على ذاته، مسيطراً، ويحمل قدراً كبيراً من الميل للمغامرة، فالإبداع مغامرة. وتحتاج تنمية هذه السمات والقدرات إلى بيئة تقل فيها الضغوط وعوامل الكف، وتتميز بقدر كاف من المرونة والحرية واحترام وتقدير الإنسان. كما أن مفهوم " تربية الإبداع " تعنى توفير المناخ المناسب الذى يساعد على تطوير الدوافع الداخلية الموجودة لدى أى متعلم إلى طريقة تفكير ابتكارية مثمرة ومتفردة نحو تنشئة الشخصية المبدعة، والتى تتميز بخصائص منها الاستقلال، والقدرة على التعلم الذاتى والدافعية للتعلم (فاطمة فوزى عبد العاطى، 1996 ، ص ص 8 – 9).
أيضاً حين يحبس التفكير فى الأطر الجامدة للعمليات التى يقوم عليها التفكير الابتكارى تختفى كل إمكانية للإبداع، ومن ثم فإن القدرة على الإبداع – باعتبارها قدرة عقلية تكتسب بالتربية – هى مرتبطة بشكل أو بأخر بنمط التفكير الابتكارى (عبد الفتاح تركى، 1996، ص 4).
- تتطلب التربية الإبداعية لدى الطلاب توفير المناخ النفسى الخالى من التهديد والتخويف داخل البيئة المدرسية، إلى جانب توفير الإمكانات المادية من أدوات وأجهزة وكتب إضافية وغيرها ممن يحتاجه الطالب فى سعيه للإبداع أو الابتكار. كما تتطلب هذه التربية قدرات خاصة من العاملين فى هذه البيئة المدرسية على ممارسة أساليب البحث والاستقصاء والاستكشاف وحل المشكلات فى تنظيم التعلم.
9- أهمية الدراسة :
تنبع أهمية هذه الدراسة من خلال النقاط التالية :
- تأكيد الفكر التربوى المعاصر فى معظم دول العالم على أهمية التربية الإبداعية لدى الطلاب الموهوبين فى مراحل التعليم العام عن طريق تهيئة المناخ التربوى الذى ينمى هذه المواهب ويصقلها فى الفصول الدراسية العادية إلى أقصى حد ممكن أن توصلهم إليه مواهبهم وقدراتهم – ذلك أن تقدم المجتمعات الإنسانية وازدهارها يتوقف على مدى فعالية ونشاط ذوى المواهب والقدرات على الإبداع والابتكار إلى حد كبير (Ryser and Johnsen, 1996) ،(Fiedman and Lee, 1996) ، (Sapan – Shevin, 1996).
- إن أحد مشاهد المستقبل – كما يراها (أحمد الصيداوي) (1997، ص ص 13-14) تتضمن عصر التواصل والتعاون الذى يعيد التقدير والاحترام للإبداع وللمبدعين. وفى هذا العصر – عصر التواصل والتعاون – تتمحور التربية حول المتعلم، ويتخذ العاملون بالبيئة المدرسية أدوار الميسرين للتعلم، والمشجعين على الحوار والتفاعل والإبداع والابتكار. ولا شك أننا فى أمس الحاجة إلى معرفة واقع إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى من أجل اقتراح ممارسات تربوية فعالة تهتم بها البيئة المدرسية وتعمل على توفيرها كشروط للتربية الإبداعية لدى هؤلاء الطلاب فى هذه المدارس.
- تسهم هذه الدراسة فى تعزيز دور التربية الإبداعية وتنمية التفكير لدى الطلاب فى مراحل التعليم العام، وتهيئ المناخ الملائم لتحقيق غاياتها من خلال تطوير إسهامات أفراد البيئة المدرسية فى هذا المجال.
- ومن الملاحظ أن المناهج الدراسية فى مدارس التعليم العام تصمم فى العادة لتساير الطلاب العاديين من حيث القدرات والاستعدادات ومن ثم لا بد للمعلم أن يطور المهارات والمعارف والأنشطة والفعاليات المتضمنة فى هذه المناهج الدراسية حتى تلبى حاجات الطلاب المبدعين فى مدارس التعليم العام. فالإبداع موجود وبدرجات متفاوتة لدى جميع الطلاب (Wakefield, 1991). هذا ووجود الطلاب المبدعين فى مدارس التعليم العام قد يؤدى إلى هدر طاقاتهم وقدراتهم وإمكاناتهم إن لم يؤد العاملون بالبيئة المدرسية أدواراً معينة فى رعاية هؤلاء الطلاب المبدعين. وفى هذا المجال يرى (عبد العزيز الشخص) (1990، ص 80) أن الطالب إذا توفرت لدية موهبة معينة ولم يستطيع تنميتها يكون قد فشل فى حياته، وإذا استخدم نصفها فقط فقد يكون قد فشل جزئياً. أما إذا كانت لديه الموهبة وتعلم كيف ينميها ويستخدمها بصورة مناسبة يكون قد حقق نجاحاً كبيراً فى حياته.
- من المنتظر أن تسهم هذه الدراسة فى تطوير أهداف التربية الإبداعية بما يساعد الطلاب على الإبداع من أجل تطوير حياتنا وإرثنا الثقافى، وبما يتناسب مع ما يشيع فى العالم من ثقافات ، وبما يمكننا من الحياة مع الثقافات الأخرى كأنداد وليس كتابعين (عبد السلام عبد الغفار، 1997،ص11). فالكثير من الطلاب ما زالوا غائبين بدرجة كبيرة عن برامج المبدعين، وبيئات هؤلاء الطلاب الاجتماعية والاقتصادية لا تساعدهم على الإبداع، بينما رعاية مواهب هؤلاء الطلاب تعتبر حقوقاً أخلاقية (Gallagher, and Others, 1995). ومن ثم فالاتجاه الذى ينبغى أن يسود فى التربية الإبداعية لدى الطلاب يقع على عاتق العاملين بالبيئة المدرسية فى المقام الأول.
ثانياً: شروط التربية الإبداعية وإسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها
- ملخص للرؤى فى الأدبيات التربوية المعاصرة –(*)
تعددت الدراسات والبحوث العلمية، وتنوعت فى مجال التربية الإبداعية لدى الطلاب فى السنوات الأخيرة من القرن العشرين، واهتمت هذه الدراسات بجوانب مختلفة فى مجال الإبداع وتنميته، ومن بين هذه الدراسات ما تناول دراسة المناخ التعليمى والبرامج والنظم التعليمية، بالإضافة إلى طرائق التعليم وأساليبه المختلفة، وما تنطوى عليه من ممارسات وعلاقات وتفاعلات بين المعلم والطالب والبيئة المدرسية، وأثرها على التفكير الابتكارى لدى الطلاب (Woods, 1996)، (Smith, 1994). كما تناولت بعض هذه البحوث طرق إعداد العاملين بالبيئة المدرسية وتأثيراتهم بشكل مباشر أو غير مباشر على بعض الأساليب التى يمكن أن تعينهم فى عملية التدريس، وفى تنشيط التفكير الابتكارى لدى الطلاب ( Zielinski, 1994) ، (Doolittle, 1995) ، ذلك أن أسلوب التدريس الذى يتبعه المعلم يعتبر أحد العوامل الرئيسة التى تؤثر إيجابياً أو سلبياً فى نمو قدرات التفكير الابتكارى لدى الطلاب( Carroll, 1991).
أيضاً من التحولات التى حدثت فى مجالى التربية والتعليم فى السنوات القليلة الماضية التركيز على التربية الإبداعية وشروطها ودور البيئة المدرسية فيها، والدور المستقبلى للآباء والمعلمين فيها، هذا ما أشارت إليه وثيقة اليونسكو عام 1992 ( Unesco, 1992). وقد ظهرت الحاجة إلى تصور بيئة تعليمية جديدة يتم على ضوئها تحديد العلاقة المستقبلية بين المدرسة والمجتمعات المحلية، وفيها يتم تشكيل مجتمع متعلم ضمن المجتمعات المحلية، وهذا ما يمكن العناصر الشابة من ممارسة عمليات الإبداع والابتكار ضمن هذه المجموعات (محمد عزت عبد الموجود، 1993).
هذا وتعزيز فرص التربية الإبداعية لدى الطلاب بمدارس التعليم العام يتطلب تهيئة المناخ الملائم لأدوار فعالة من العاملين فى هذا المجال، كما يتطلب هذا الأمر تحديث المناهج الدراسية وتطويرها: أهدافاً ومحتوى وطرائق تدريس وأساليب تقويم بحيث تكون أكثر وظيفية وقدرة فى تربية الإبداع وتنمية التفكير الابتكارى لدى الطلاب. ويتطلب هذا الأمر أيضاً كفايات مهنية متعددة من جانب العاملين فى البيئة المدرسية، ومن هذه الكفايات التقويم، والتجديد المعرفى، والكفاية الإنسانية، والتعلم الذاتى، والمادة الدراسية، وإدارة الصف، إلى جانب كفاية أسلوب التدريس (سامى عدوان، على حبايب، 1995).
كما يجب على العاملين بالبيئة الصفية استخدام الطرق الحديثة فى التعليم، والتى تركز على التعلم الاستكشافى، وطرائق حل المشكلات، وطرائق التحدى والعصف الذهنى (مها زحلوق، 1997 ص 26).
وللتربية الإبداعية شروط، ويأتى فى مقدمتها نمط البيئة المدرسية التى ينبغى أن تتطور، ليكون المعلم فى هذه البيئة المدرسية ميسراً للتعلم لا منشئاً له، وليكون المعلم متعلماً بصفة دائمة، يسعى إلى زيادة معرفته بمجتمعه، وبطلابه، وبالأساليب والطرق التى تجعل الطلاب ينغمسون فى التعلم الذاتى، وبذل الجهد، وتحقيق ذواتهم، وبعث الثقة فى نفوسهم، وتعليمهم كيف يتعلمون (أحمد المهدى، 1996).
كما تؤدى البيئة المدرسية دوراً فعالاً فى الكشف عن الموهبة والإبداع لدى الطلاب عن طريق ملاحظة العاملين فيها لفعاليات الطلاب وأنماط سلوكهم وممارساتهم فى المدرسة. ويمكن للمعلم أن يقدم أنشطة استكشافية ( Explaratory Activities) لهذا الغرض، فيتيح لطلابه فرصاً تربوية عديدة لأنواع ونماذج من الأنشطة والخبرات يمكن لهم أن يختاروا منها كل حسب اهتمامه وميوله. وفى الوقت نفسه إذا لاحظ المعلم أن هناك من يتعلم بسرعة ولا يحتاج إلى الإعادة أو التكرار، وأن الطالب يفكر بشكل فيه من الدلالة ما يلفت النظر إليه، أو أن لديه استغراقا فى التفكير والعمل فترات طويلة دون ملل، أو من يملك موهبة ما فى أى نوع من الأنواع الإبداعية. إذا أكتشف المعلم هذا الطالب وأكدت ذلك ملاحظاته فإنه يكون قد وضع يده على الطالب المبدع (مها زحلوق، 1997، ص 22).، وتتولى البيئة المدرسية والعاملين فيها توفير شروط التربية الإبداعية لهذا الطالب.
كما أن هناك بعض الخصائص الأخرى التى يدل وجودها منفردةً أو مجتمعة على توافر الإبداع عند هؤلاء الطلاب، ومن هذه الخصائص تعلم المفاهيم الأساسية وإتقانها بسرعة كبيرة، إلى جانب القدرة على تكوين التجريدات والتعامل معها وفهمها، بالإضافة إلى تميز هؤلاء الطلاب بطاقة زائدة وحيوية فائقة ورغبة قوية للعمل المنفرد ولفترات طويلة من الوقت مع تميزهم بقدرة كبيرة على التركيز والانتباه.
ولكى تؤدى البيئة المدرسية دوراً فى استكشاف الطلاب المبدعين فى مدارس التعليم العام فلابد وأن يكون العاملون بهذه البيئة المدرسية قادرين على ممارسة أدوار ومهام الخبير التعليمى، والموجه والمرشد لطلابهم، ودور الباحث العلمى، ودور المختص بمادته العلمية، ودور المساعد فى إحداث التأثيرات على طلابهم، ودور المتفاعل مع الطلاب لمساعدتهم على إبراز إبداعاتهم، ودور المجدد الذى يساعد هؤلاء الطلاب على الإبداع (أحمد الخطيب، محمد عاشور، 1997 ص 1).
كما أن استخدام أسلوب التدريس الصامت بعض الوقت فى الحصة، حيث يصمت المعلم وتتاح الفرصة للطلاب فى توسيع وتعميق الخبرات والفروض البديلة المرتبطة بالمفاهيم، قد تكون مدخلاً لاستكشاف الطلاب المبدعين فى مدارس التعليم العام.
والمعلم المعاصر يحب أن يكون مهنياً، بمعنى أنه يحب أن يتأمل – دائماً – ممارساته، وأن يقوّمها أولاً بأول، وأن يصحح أخطاءه بنفسه، بالإضافة إلى ضرورة تعاونه مع زملائه المعلمين فى القضايا الفكرية والعملية المتصلة بالمهنة (أحمد المهدى، 1996).
وسمات وخصائص العاملين بالبيئة المدرسية الذاتية والمعرفية تلعب دوراً هاماً فى التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مراحل التعليم العام. كما أن ذكاء المعلم، وسعة إطلاعه، وتميز مهارته هى عوامل رئيسة تساهم بنحو إيجابى فى رعاية الإبداع لدى الطلاب. كما أن لمستوى حماس العاملين بالبيئة المدرسية فى أدائهم لمهامهم التعليمية أثراً إيجابياً فى استكشاف الإبداع لدى الطلاب وتوجيهه بشكل عام، وخاصية الحماس من السمات الهامة التى تؤهل العاملين فى تحقيق هذا الهدف.
وهنا يجب الإشارة إلى أنه لكى يكون المعلم وغيره من العاملين بالبيئة المدرسية قادرون على أداء مثل هذه المهام، فلا بد وأن تقوم مؤسسات إعداد المعلمين بإعداد المعلم الناقد فى تفكيره وبشكل علمى، حتى يتسنى له اكتشاف الطالب المبدع (عبد الفتاح حجاج، 1995، ص 11). وقد أشارت إحدى الدراسات السابقة (Fogarty, 1993) إلى أهمية تملك العاملين بالبيئة المدرسية مهارات التفكير الشامل وأساليب حل المشكلات، إلى جانب قدرتهم على تحديد نتاج التفكير والفكرة الابتكارية التى ينتجها الطلاب. ومن هذا المنطلق، وارتباطاً بمتطلبات الإصلاح التربوى فى مدارس التعليم العام فإنه يجب تدريب العاملين فيها على برامج البنية الإدراكية، وعلى كيفية تحويل النماذج التفكيرية إلى نتاجات محددة من خلال استخدام عاملى الدافعية والتعزيز لدى الطلاب المبدعين. كما يجب أن يتطور التعاون بين الجامعات والبيئات المدرسية من أجل إرساء قواعد التعاون بين العاملين بكليهما (Dana and others, 1992). كما أنه من الأهمية بمكان أن يتم تدريب هؤلاء العاملين على أنشطة التعليم التكنولوجية فى كافة التخصصات بمدارس التعليم العام. وهناك الكثير من البرامج التكنولوجية التى تعتبر تطبيقاً للمهارات الأكاديمية التى يمكن تعلمها فى المدارس مثل الابتكار فى الكتابة، وفى مفاهيم العلوم والفنون وعلوم الصحة العامة. ومن ثم وجب على كل العاملين بالبيئة المدرسية التمرس على هذه الأنشطة التكنولوجية المتصلة بالمهارات الأكاديمية من أجل توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى هذا المجال ( Oklahoma, 1991 ).
ويعد العاملون بالبيئة المدرسية من أهم العناصر المؤثرة فى توفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب داخل الصف المدرسى وخارجة فى إطار المدرسة.
ونعرض، فيما يلى، أهم عناصر هذه المنظومة فى شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مدارس التعليم العام، وإسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها- كما اقترحتها الدراسات والبحوث والأفكار التربوية المعاصرة ، ونلخصها فى جدول (1)
جدول (1)
شروط التربية الإبداعية وإسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها
شروط التربية الإبداعية
إسهامات البيئة المدرسية فى توفيرها
الطلاقة
1- تدريب الطلاب على مهارات التفكير المتعمق حول التأمل والفهم والتحليل
2- تدريب الطلاب على مهارات التفكير الشامل المتمركز حول تنظيم الموقف للوصول إلى أفكار جديدة.
3- توفير أنشطة العمل التعاونى بين الطلاب فى المجال الذى يتعاملون فيه
4- وضع أسس وآداب للمناقشة العامة الفاعلة والمفيدة.
المرونة
5- توفير الأنشطة التربوية التى تعتمد على الحاسوب لتدريب الطلاب على مرونة التفكير.
6- توفير الأنشطة التربوية التى تتطلب إعمال الذهن فى الإنجاز التحصيلي
7- توفير التدريبات المصورة واللفظية فى حل المشكلات التعليمية.
8- تدريب الطلاب على توظيف ما لديهم من معلومات لتحقيق أهداف حياتية.
الأصالة
9- تدريب الطلاب على ربط المعرفة الجديدة بالمعرفة القائمة لاستخلاص نتائج الدرس.
10- تدريب الطلاب على تحليل ما اكتسبوه من معرفة للوصول إلى نتائج جديدة.
11- تنمية مهارات تنظيم المعرفة المختارة.
12- تنمية مهارات التقويم الذاتى بين الطلاب.
الإتقان
13- تدريب الطلاب على استخدام العادات الصالحة فى تنظيم الذات.
14- تدريب الطلاب على الدقة فى الأداء التعليمى من خلال تطوير الأنشطة المدرسية.
15- تكوين اتجاهات إيجابية عن إتقان العمل لدى الطلاب.
16- تنمية عادات التنافس بين الطلاب أثناء إتمام التفاصيل.
البنية المعرفية
17- تزويد الطلاب بالأنشطة التعليمية التى تناسب قدراتهم المعرفية.
18- تدريب الطلاب على العمليات المعرفية فى جوانب التذكر والتطبيق.
19- إتاحة الفرص للطلاب لكى يلعبوا أدوار العلماء الموهوبين فى التخصص.
20- تدريب الطلاب على العمليات المعرفية فى جوانب الإدراك والانتباه
العوامل العقلية
21- تدريب الطلاب على إظهار العلاقات الموجودة بين الأسباب والنتائج.
22- تدريب الطلاب على تركيب الأفكار بطرائق مختلفة فى الدروس التعليمية.
23- احترام الطلاب الذين يطرحون أفكاراً إبداعية جديدة لحل مشكلة معينة.
24- عرض أمثلة تاريخية ومناقشة أنواعها فى التخصص المعروض.
السمات الشخصية
25- تنمية جوانب المغامرة لدى الطلاب.
26- اعتماد أساليب الحوار والإقناع مع احترام الرأى والرأى الآخر.
27- تنمية جوانب الانضباط الذاتى لدى الطلاب.
28- إتاحة فرص الواجبات المنزلية الحرة والكافية لإشعار الطالب باستقلاليته فى التعلم.
العوامل الدافعية
29- إتاحة الفرص التعليمية المعتمدة على أسلوب حل المشكلات داخل الفصل.
30- إتاحة الفرص للطلاب لاكتشاف العلاقات بين عناصر الموضوع المعروض.
31- إتاحة الفرص لكى يرتقى الطلاب بمستوى تفكيرهم فى معرفة أخطائهم بأنفسهم.
32- إتاحة الفرص لكى يستكشف الطلاب كل ما هو جديد فى الموضوع المعروض.
العوامل البيئية
33- إتاحة الفرص للطلاب لإظهار معارفهم ومهاراتهم المكتسبة من بيئاتهم.
34- العمل على أن تكون بيئة الصف سمحة ومرنة ويسودها الاحترام المتبادل.
35- احترام حرية الطالب فى التفكير والتعبير عن هذا التفكير.
36- عدم التسرع فى إصدار الأحكام على الطلاب.
التجميع والعزل
37- تجميع الطلاب المتفوقين فى صف خاص بعض الوقت أثناء اليوم الدراسى.
38- تجميع الطلاب المتفوقين فى ركن واحد فى الصف المدرسى طول الوقت.
39- تجميع الطلاب المتفوقين فى ركن واحد فترة من الوقت للتدريب على إبداعاتهم.
40- تزويد الطلاب المتفوقين بمقررات دراسية اختيارية غير مقررة على باقى الطلاب.
التسريع الإسراع
41- إتاحة الفرص التعليمية للطلاب المتفوقين لحضور حصص دراسية فى الصفوف الأعلى.
42- إتاحة فرص دراسة مقرر ما فى الصف التالى، وهو طالب فى الصف الحالى.
43- إتاحة فرص مشاهدة دروس تعليمية فى الصف التالى، وهو طالب فى الصف الحالى.
44- إتاحة فرص دراسة موضوعات دراسية فى الصف التالى، وهو طالب فى الصف الحالى.
الإثراء والإغناء
45- تزويد الطلاب المتفوقين بخبرات تربوية إضافية حسب رغبتهم.
46- تكليف الطلاب المتفوقين بإعداد التقارير عن موضوعات تتعلق باهتماماتهم.
47- تشجيع الطلاب المبدعين على الانتساب إلى " أسر الإبداع " فى المدرسة.
48- تكليف الطلاب المتفوقين بتدريبات صفية إضافية فى الكتاب المدرسى.
ولكن ما الواقع الحالى لإسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية فى مدارس التعليم العام؟، هذا ما ستعرض له الدراسة الحالية فى الصفحات التالية.
ثالثاً : واقع إسهامات البيئة المدرسية فى توفير شروط التربية الإبداعية
لدى الطلاب فى بعض مدارس التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى
ملخص لنتائج الدراسة الميدانية (*)
فى محاولة لتحديد نمط البيئة المدرسية اللازمة لتوفير شروط التربية الإبداعية لدى الطلاب فى مراحل التعليم العام بمحافظات جنوب الوادى، تم تحديد أهم الممارسات التربوية للعاملين بالبيئة المدرسية فى هذا المجال والتى تمثلت فيما يلى:
- القدرة النسبية للعاملين فى البيئات المدرسية فى مرحلتى التعليم الثانوى والإعدادى – مقارنة بأولئك العاملين بالتعليم الابتدائى – فى وضع أسس وآداب للمناقشة العامة الفاعلة والمفيدة، إلى جانب تدريب الطلاب على مهارات التفكير المتعمق المتمركز حول التأمل والفهم والتحليل. علاوة على تدريب الطلاب على توظيف ما لديهم من معلومات لتحقيق أهداف حياتية، مع توفير الأنشطة التربوية التى تتطلب إعمال الذهن فى الإنجاز التحصيلى.
- أعتمد العاملون بالبيئة المدرسية مهارات تنظيم المعرفة المختارة، وتدريب الطلاب على ربط المعرفة الجديدة بالمعرفة القائمة لاستخلاص نتائج الدرس، إلى جانب تدريب الطلاب على تحليل ما اكتسبوه من معرفة للوصول إلى نتائج جديدة أثناء ممارساتهم التدريسية، وهذا يتفق مع السياسة التعليمية فى مصر التى بدأت ترعى الإبداع لدى الطلاب.
- ندرة الممارسات التربوية للعاملين بالبيئات المدرسية فى تدريب الطلاب على استخدام العادات الصالحة فى تنظيم الذات، وفى تكوين اتجاهات إيجابية عن إتقان العمل، وفى تنمية عادات التنافس بين الطلاب أثناء إتمام التفاصيل فى مرحلة التعليم الابتدائى– مقارنة بالعاملين بالبيئات المدرسية بالمرحلتين الإعدادية والثانوية فى مدارس التعليم العام فى محافظات جنوب الوادى.
- وجود فروق فى الاستجابات بين طلاب التعليم الابتدائى من جهة، وطلاب التعليم الإعدادى والثانوى من جهة أخرى فى قيام العاملين بهذه البيئات المدرسية بتدريبهم على العمليات المعرفية فى جوانب التذكر والتطبيق، وفى مدى احترام الطلاب الذين يطرحون أفكاراً إبداعية جديدة لحل مشكلة معينة، وفى تدريب الطلاب على إظهار العلاقات الموجودة بين الأسباب والنتائج، وفى تزويد الطلاب بالأنشطة التعليمية التى تناسب قدراتهم المعرفية.
- تحددت استجابات أفراد العينة عن إسهامات البيئة المدرسية فى تنمية السمات الشخصية لدى الطلاب فى قيام العاملين بتنمية جوانب الانضباط
الخميس مايو 09, 2013 10:32 pm من طرف قداري محمد
» استخدام طريقة العروض العملية في تدريس العلوم
الخميس أبريل 18, 2013 10:26 am من طرف قداري محمد
» Ten ways to improve Education
الخميس فبراير 21, 2013 8:44 am من طرف بشير.الحكيمي
» مقتطفات من تصميم وحدة الإحصاء في الرياضيات
الثلاثاء يناير 29, 2013 8:30 am من طرف بشير.الحكيمي
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء يناير 02, 2013 7:49 am من طرف انور..الوحش
» تدريس مقرر تقنية المعلومات والاتصالات
الأربعاء ديسمبر 19, 2012 10:00 am من طرف محمدعبده العواضي
» الواجبات خلال الترم 5
السبت أكتوبر 06, 2012 11:12 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم4
السبت أكتوبر 06, 2012 11:11 pm من طرف بشرى الأغبري
» الواجبات خلال الترم3
السبت أكتوبر 06, 2012 11:10 pm من طرف بشرى الأغبري